/ صفحه 236/
سنن الحياة، ولا تعترف بواقع الفطر، فإنها مقضي عليها بالزوال مهما دعمتها القوة، وأيدها السلطان .
خطر المادية المتحللة:
و كما نزعت طائفة من أهل الاديان إلى هذا الجانب، وهم غالباً من أتباع المسيحية، نزعت طائفة أخرى إلى الجانب المادى وهم غالبا من أتباع اليهودية، ولا نطيل في تتبع مذهبهم المادى، فهو معروف وله أنصاره الذين يريدون للانسان حياة مطلقة من كل قيد، غير مقيدة بأى نظام، تستبيح كل شيء مادام في قدرة الانسان أن يفعله، ومادام يحقق له شهواته في أوسع نطاق، ويمكنه من أن ينفق كل لحظة من لحظات حياته في صورتها الواقعية أو الوجودية كما يقولون، وحسبنا أن جميع أرباب العقول لا يرون في هذا المذهب إلا هوساً وجنونا، بل خطراً داهما لو تعرض له العالم لهبت عليه ريح الفناء.
توسط الإسلام:
و الإسلام دين الفطرة والتوسط، فهو لا يرضي بأن يكون أمر الإنسان معلقاً بهذا الجانب أو ذاك، لا يرضي بأن يتركه في ظلمة المادية غارقا في شهواته ولذته، غير مستمسك بما يرتفع به ويسمو على الحيوان المشارك له في ذلك، ولا يرضي بأن يكله إلى هذه الرهبانية الزاهدة في الحياة، الهاربة من العمل والسعى، المحاولة تعطيل سنة الله في الخلق، ولكنه يطلب إلى الناس
أن يكونوا وسطا بين هؤلاء وهؤلاء، وهذا هو الاعتدال الذي ذكره القرآن الكريم في غير موضع بعبارات محكمة سارت مسير الامثال، وأفصحت عن مبدأ الاتزان والقسط في كل شيء أحسن إفصاح: "كلوا واشربوا ولا تسرفوا". "قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق" "و الذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما". "ولاتجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط".
و مما جاء على مبدأ التوسط، والاعتراف بالفطرة والواقع أن الإسلام