/ صفحه 234/
للمغامرات، كل هذا من طبعه ومما فطر عليه، فلا يمكن أن يلزم بما ينافر هذا الطبع، ويجافي هذه الفطرة، لا يمكن أن يلزم بالقبوع في كهف أو مغارة أو جبل من الجبال، لا يأكل إلا من أعشابها، ولا يشرب إلا ما يشتفه من رمالها، أو يلتقطه من نداها أو مطرها، لا يمكن أن يكبل نشاطه الانساني، وتقيد إمكانياته البشربة، واستعداداته الطبيعية بقيد ينافيها و
يبطلها ويذهب بللغالية المقصودة منها، لا يمكن أن يقال له "جع" وقد خلقت له معدة وأمعاء وجهاز كامل يقتضي أن يأكل، ولا يمكن أن يقال له "اكتف بالضرورى من الغذاء" وقد خلقت غدده وأجهزته الهضمية وما يتصل بتقويمة وبنيته خلقاً يستدعي أن يتوسع في دذلك، وأن يترفه أحيانا، وأن يتمتع متاعا حسنا يشرح به صدراً ويقر به عينا، ويعرف معه نعمة الله عليه، ولا يمكن أن يقال له: انقطع عن الاجتماع، وأنت مدني بالطبع، ولا اهجر النساء، وهكذا فالفطرة تأبي كل ما ينافيها، وهي الباقية في الانسان الراسخة فيه، وكل ما سواها فهو طارىء عليها، متأثر بها، لا يستطيع أن يزبلها، ولا يقوى على أن يحيلها.
نزوع أهل الاديان السابقة إلى مقاومة الفطرة:
نزع أهل الاديان السابقة إلى الخروج بالانسان عن هذا النطاق الذي ضربته عليه الفطرة "فطرة الله التي فطر الناس عليها" فكان منهم من آثرالجانب الروحي ورمي إلى فك أسر الانسان من قيود المادة، وانتزاعه من العواطف والميول والنزعات والشهوات التي ركبت فيه، وكانت طباعا لازمة له، ومن هنا كان التزهد والتبتل والترهب والتخلى والتقشف، ومكابدة الحرمان في المأكل والمشرب والملبس والشهودة الجنسية.
الرهبانية ابتداع من المسيحيين:
و إذا قلت في هذا المقام: نزع أهل الاديان السابقة، فإنى أريد أن يفهم القارى ء من هذا أن الاديان السابقة نفسها لم تكن تفرض على الناس ابتداء