/ صفحه 233/
يتخلص من لزم نفسه بتحريم شيء مما أحله الله، مبيناً حكم اليمين وحكم الكفارة مستوفياً بذلك أمر هذه الالتزامات في مختلف أحوالها.
عمارة الكون تقتضي خلق الانسان روحياً مادياً معاً:
اقتضت حكمة الله تعالى أن يكون الانسان مركبا من روح وجسم، حتى يكون صالحا للماديات والمعنويات، ولم يجعله كالملائكة روحانيا صرفا، لان عمارة هذا الكوكب الذي نعيش عليه تقتضي هذا اللون من الخلق المزدوج الطبيعة، تقتضي "المادية" لان الكون مشحون بالمادة، فلو كان سكانه رحانيين لما انتفعوا بها، ولما التفتوا إليها، ولظلت معطلة ساذجة يتفاعل بعضها تفاعلا يؤدى به إلى الفناء، وبعضها تفاعلا يؤدى به إلى التوالد الساذج الذي لا تلبث ثمراته أن تلتحق بأصوله فتهمل وتعطل فلا يتحقق المقصود من إثارة الارض وعمارتها، وتقتضي مع ذلك "الروحية" لان سكان هذا الكوكب لو كانوا ماديين صرفا، ولم تكن لهم "معنويات" يدركونها ويقصدون إليها ويتمتعون بها ولما أدركوا الخالق، وعرفوا حقه، وتوجهوا إليه بالعبادة، ولما كانت الحياة إلا ظلمات مادية لا يتخللها أي ضوء من أضواء العقل والروح التي هي من غير شك سر الانسانية وقوامها.
الفطرة تأبي ما ينافيها:
خلق الانسان ـ لهذا الحكمة البالغة ـ على هذا النحو الجامع بين المادية والروحية، فكان لابد من الاعتراف بحقوق فطرته وميوله وعواطفه، لابد من الاعتراف بأنه إنسان يشتهي أن يأكل ويشرب ويلبس ويتزوج ويجتمع ويغدو ويروح ويسافر ويقيم، ولابد من الاعتراف بحقه في ألا يقف من هذه الاشياء عند حد الضرورة، فلا يأتيها إلا بقدر، ولا يزاولها إلا في حدود ضيقة، فإنه بحكم بشريته طموح نزاع إلى المعرفة والتوسع وإلى أن يكشف الاسرار، ويعرف الاسباب، وينتقل من معلوم إلى مجهول، ويركب الاخطار، ويتعرض