/ صفحه 232/
قال الله تعالى:
"يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين وكلو مما رزقكم الله حلالا طيبا واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون لا يؤاخذكم الله باللغو في ايمانكم، ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان. فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام، ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم، واحفظوا أيمانكم، كذلك يبين الله لكم اياته لعلكم تشكرون".
مراعاة حق الفطرة بالنهي عن تحريم الطيبات:
هذا أحد العقود التي جاءت بها السورة، وأمرت في أولها بالوفاء بها، وموضوعه مبدأ من أهم المبادى ء الإسلامية التي جعل الله المسلمين بها أمة وسطا ليكونوا شهداء على الناس، ذلك المبدأ هو مراعاة حق الفطرة الانسانية، والنهي عن سلوك السبيل التي سلكها أهل الاديان السابقة،أو بعض الفلاسفة، من تعذيب النفس وحرمانهامن الاخذ بما يلاثم الفطرة، ويحقق المتاع الجسمي الطبيعي، إيثاراً لنهذيبها، وميلا إلى تقوية الجانب الروحي فيها، فالقرآن الكريم يبطل هذا في قوة وحزم، وينهى المؤمنين عنه في عقد بجعله في سورة "العقود" ويصف ما أحله للناس بأنه طيبات، إيحاءً لهم بأن إحلاله إنما كان لطيبه، وطيبه يدل على خلوة مما يؤذى النفس مادياً أو معنوياً، واشتماله على ما يفيدها في كليهما، ثم يشعرهم إشعاراً قوياً ـ حين ينهاهم عن الاعتداء، وينفي حب الله للمعتدين ـ بأن في هذا خروجا من الانسان عن حده، وتجاوزاً لدائرة فطرته وإنسانيته، وتمرداً على الالوهية ذات الدقة في التشريع، والحكمة في التحليل والتحريم، ثم يأمرهم أمراً صريحاً بالاكل مما رزقهم الله من الطيبات، غير رمكتف بفهم ذلك من النهي السابق، ويؤكد هذا كله بأمرهم بتقوى الله الذي هم به مؤمنون، مشيراً لهم بهذا إلى أن ذلك من مقتضيات الايمان، ثم يلحق ذلك ببيان السبيل التي بها