/ صفحة 23/
فكل منهما يريد أن يصل من طريق النفاق إلى ما يبتغيه دون أن تساوره فكرة الانتصار لشيء، لأنه غير مؤمن بشيء .
وبعبارة أخرى: كل من المؤمن والكافر ذو عقيدة، وقلبه ممتلئ بها على صحتها أو فسادها في الواقع، فمعنى موالاة أحدهما للآخر أن أحدهما أخلى قلبه من عقيدته وأحل محلها عقيدة الآخر فعمل لها، وترسمها، وحرص على تقوية أمرها وتأييدها، فإن وقع ذلك من المؤمن فقد كفر، وإن وقع ذلك من الكافر فقد آمن، فالولاية بمعناها الواقعي الصحيح لا تقع إلا بين أنين مشتركين في معنى واحد، إيمانا كان أو كفراً، أما المنافق فإن قلبه خلاء، لا عقيدة تعمره، وإن كان تكييف أمره، من حيث إنه ترك الإسلام: أنه كافر .
دلالة التعبير بلفظ "الاتخاذ":
يرد بعد هذا سؤال: لم نهى الله اذن عن اتخاذ المؤمنين الكافرين أولياء، ما دام الولاء والناصر لا يمكن أن
يكون بين مؤمن وكافر ؟
والجواب: أن التعبير في هذه الآية وغيرها بقوله "لا تتخذوا" فيه إشعار بأن العلاقة بين المسلمين والكفار لا يمكن أن ترقى إلى درجة الولاية الحقيقية الطبيعية، وإنما هي من باب "الاتخاذ" والاصطناع، وذلك أن هناك فرقاً بين أن تقول: فلان صديق فلان، وأن تقول: أتخذه صديقاً، فالأول مفيد أن الصداقة بينهما حقيقة طبيعية، والثاني دال على آنها تعتمد التكلف والتصنع، وقد جاء لفظ "الاتخاذ" في القرآن الكريم غالباً فيما ليس الشأن فيه أن يكون، مثل "ما اتخذ الله من ولد" "إن الذين اتخذوا العجل سينا لهم غضب" "إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً" "اتخذوا أيمانهم جنة" "اتخذوا دينهم لهوا" "اتخذوا الشياطين أولياء"، ولا يخرج عن ذلك ما جاء في قوله تعالى "واتخذ الله إبراهيم خليلاً" فإن شأن الإلوهية عدم الخلة على الحقيقة، وإنما هو اتخاذ، أي اصطفاء واختصاص بكرامة تشبه كرامة الخليل عند خليله .
فالقرآن ينهى المؤمنين عن إيجاد هذه العلقة بينهم وبين الكافرين، بأن