/ صفحه 229/
الماضين لا ينبغي أن يكون كله شغلا لنا بغثه وسمينه، ولكن علينا أن تختار ونغزبل ونصفي ونعتيني عناية كاملة جادة بما ينفع ولا يضر، ونضرب صفحاً عما يضر ولا ينفع، وعما لا ضرر فيه ولا نفع، بذلك نستطيع أن نتخفف ثم نتطلع إلى آفاق من العلم جديدة احتكرها الناس في الغرب من دوننا، وأفادوا منها سيادة وقوة حيث غبنا عنها.
إن القرآن الكريم يقول: "وما أوتيتم من العلم إلا قليلا" ويقول: "و قل رب زدني علما" ومن هاتين الايتين نستنبط أن الله تعالى يرشدنا إلى الناموس الطبيعي للأفكار والعقول والمعارف، أو بعبارة أخرى إلى سنة من سننه الكونية، هي أن العلم دائماً في تقلب، ولا يمكن أن يقف عند حد، إذ هو قابل للزيادة، والرسول نفسه، وهو من هو في علمه، مكلف
بأن يتطلع دائما إلى الازدياد من العلم، وإلى أن يجعله من أعز آماله ومطالبه التي يتوجه فيها بالدعاء إلى ربه.
هكذا ينظر القرآن إلى العلم، وهكذا يوحي إلى المؤمنين أن يطلبوه ويحرصوا على التجديد منه، وعلى التجديد فيه، وألا يكونوا أسرى تقليد، وسجناء جمود، ولكن كثيراً منا معاشر المسلمين نسي هذا أو تناساه كيلا يكلف نفسه شططا، ولا يحملها عنتا ولا رهقا، فما زالت جامعة كالازهر تدرس مذهب "اللاأدرية" الذين يشكون في أنفسهم، ثم يشكون في شكهم. فأين المذاهب الحديثة التي تملأ أقطار الارض الآن، ولا تجد من يرد عاديها، ولا من يرشد غاويها؟ وأين دراسة الشبه ا لتي توجه إلى الشريعة والفقه في أوربا وأمريكا، والثى يغزو بها الصهيونيون وأعداء الإسلام والطامعون في بلاده، عقول المحدثين من الشباب، ويصوروننا بها أمة بدائية أو متخلفة، فيقولون: دينهم يبيح كذا، ويرضى بكذا ويعارض في كذا... الخ.
ثم ما زال الازهر يدرس نظام شركة الوجوه، وشركة العنان، ولا يعرف شيئاً عن شركات التوصية والضمان.
و ما زال يدرس "التدبير" و"التعمير" ولا يعرف نظام التأمين على الاشياء أو على الحياة، وإذا سألت عن حكم ذلك لم تجد قولا شافياً، ولا بياناً في ذلك كافياً، وإنما هي "سطحيات" تلقى ارتجالا، وتحمل على الفقه حملا.