/ صفحه 218/
لتمسيته لقله دورانه على الالسن في خارج المنزل، فعمت الاباجورة كما عمت الدبابة في الكلام والكتابة. فلو أن الكُتّاب عادوا اليوم فأطلقوا عليها "لامَّة" أو "ضامَّة" لانها تلم الضوء المتفرق وتضمه، لما فهم الناس ماعبروا عنه، ولا اتبعوهم فيما عبروا به.
فالمسألة إذن مسألة سباق بين الفصحي والعامية، من تسبق منهما إلى الوارد والجديد سمته وفرضته على الأُخرى كما قلت... وأن ثماني عشرة دورة أو سنة قضاها المجمع محايداً في هذه المعركة جعلت الامل في تغلب الفصحى أبعد مما نظن فلم يبق إلا أن نصلح بين اللفتين على وجه من التساهل المتبادل، ولقد عنيت منذ تشرفت بعضوية المجمع أن أسعي مع الساعين لعقد هذا الصلح، وتحديد هذا التساهل، فقدمت إلى المجتمع اقتراحين، أحدهما: قبول الوضع من المحدثين، والاخر: قبول السماع منهم أسوة بالمتقدمين، وتفضل المجمع فقبل الاقتراحين، ولكنهما ظلا معطلين لانصرافه إلى وضع المصطلحات المختلفة للغة الخاصة، وتقدمت منذ طويل إلى مجلس المجمع بطائفة من الكلمات التي جرى للمحدثين فيها سماع يخالف المسموع من العرب الاقدمين، في المدلول أو في الصيغة، فأقرها المجلس ثم اعتمدها المؤتمر، ولعلها تأخذ السبيل إلى المعجمين: الكبير والوسيط.
و الحق الذي لا أرتاب فيه أن المجمع بقبوله الوضع والسماع من المحدثين قد وضع الاساس القوى الثابت لتهيئة اللغة لقبول التجدد المستمر في أسماء الذوات والمعاني، فبالوضع نصل ما بين اللغة والحياة، وبالسماع نقرب ما بين العامية والفصحي، والفائدة من قبول السماع منا، لا تقف عند حد التجديد والتمكيل والتقريب، وإنما تتعدى ذلك إلى تسجيل مدلولات جديدة قد نسخت مدلو لات قديمة لبعض الالفاظ، مثال ذلك لفظ الغداء ولفظ الفطور: فقد أجمع اللغويون على أن الغداء أكلة للغدوة، وهي ما بين طلوع الفجر إلى بزوغ الشمس، وهو خلاف العشاة، وبه فر قوله تعالى: "آتنا غداءنا" وأن الفطور