/ صفحه 217/
بوفرة، وإنما معناه أن المجمع قضي ثماني عشرة دورة ً في خدمة اللغة الخاصة، وهي لغة الفلاسفة والعلماء والرياضيين والاطباء والفقهاء وا لفنانين وغيرهم من رجال الثقافة العليا. وهؤلاء جديرون ـ إذا ما أبطاً المجمع عن إسعافهم ـ أن يضعوا مصطلحاتهم بأنفسهم بحكم عملهم في التعليم والتأليف، وهم إذا وضعوها أو نقلوها قاربوا الكمال، فلا يكون عمل المجمع معهم إلا التسجيل أو التعديل.
أما اللغة العامة، وهي لغة البيت والشارع والسوق والمصنع والورشة والحقل فلم يولها المجمع عنايته بعد. والكتاب والمترجمون والصحفيون وسائر من يتصلون بحياة الناس، لا يعنيهم كثيراً تلك اللغة العلمية. والناس مني رأوا الشيء سمَّوه.
والمسَمون في الغالب من سواد الأُمة الذين لا يبالون أن ينطقوا على أي صوره ما داموا يقضون حاجتهم من الفهم والافهام. ويجييء بعد ذلك الكتاب والصحفيون فيجدون اللفظ قد شاع، فإما أن يستعملوه على علته فيكون الفساد وإما أن يضع كل كانب لمعناه لفظاً فتكون البلبلة. والفصاحة والعامية متنافسان في الوضع والنقل والتعريب، إحداهما الأُخرى، فأيتهما سبقت إلى الشىء الجديد يوم وروده الميناء سمته وفرضت تسميتها عي الالسنة، ف "التَّنْكسْ" مثلا أدركها الصحفيون وهي لا تزال في ا لميادين الاوربية، فوضعوا لها لفظ "الدبابة" وأذاعوه في البرقيات والاخبار حتى عرفه كل قارىء وردده كل سامع. فلما رآها الناس بعد ذلك في مصر لم ينكروا الاسم ولا المسمى.
و أما "الاوتوموبيل" فقد ورد مصر قبل أن يسمع الناس له إسماً عربيا من قبل، فنطقوا لفظه الاعجمي بلغات عشر كما كان ينطق العرب لفظ (إصبع)، ووضع الكتاب له بعد ذلك لفظ السيارة، وحاولوا أن يعمموه فما استطاعوا، وظلت الكلمتان دائرتين في لغة الناس: العربية للكتابة، والاعجمية للكلام.
و هيهات أن تسلم أحداهما للاخرى. وهناك نوع من الالفاظ تخلي عنه الكتاب للعامة فاستأثروا به، كلفظ (أبا جق) مثلا. فالناس لابد أن يسموا هذا الشيء لانه من أثاث بيوتهم، فسموه (أباجورة) وأما الكتاب فلم يجدوا ضرورة