/ صفحه 216/
فهب يا سيدى الرئيس أن الجود والرق لم يرفعا من الارض، وأني دخلت يوماً على أمير من الأمراء البهاليل، وبين يديه جارية من الغيد الحسان، ترفل في حرير "شيكوريل" و"سمعان" وقال لى الامير الاريب: إذا سميت ما على هذه الجارية من اللباس، ووصفت ما في هذه الدار من الرياش والاثاث، نَزَلت لك عن الجارية والدار، وزدتك عليهما ألف دينار. فماذا تراني يا رئيس المجمع اللغوى قائلا وأنا من الذين أفنوا أعمارهم في تحصيل مادة اللغة "واكتساب ملكة الكتابة؟ ماذا أسمي هذا المائل على القود الايمن، أو هذا المائل على الجبين الزاهر؟ وماذا أقول في هذا المزرِّر على الصدر المشرق، وهذا المدار تحت الثدى الناتيء، وهذا المُرسل على الكَشْح الهضيم، وهذا المُفصَّل على القدم اللطفية؟
أنا لا أعرف من غطاء الرأس إلا القناع والخمار، ولا من كساء الجسم إلا الملاءة والازار، ولا من وقاء الرَّجْل، غير الحذاء والنعل. فهل تنطبق هذه الاسماء، على هذه الاشياء، أم هل تكون دلالتها عليها كدلالة الرياش والأثاث على كل (موبيليات) البيت، والورد والريحان على جميع أزهار الحديقة، والجهلي والعجمة على كل أدوات السيارة؟ لا جرم أني سأعجز على كل حال، وسأطالب رفعت (باشا) بالجارية والدار والمال!
* * *
كان ذلك منذ أربعة عشر عاما، كما قلت، ولاتزال الحال هي الحال، والمشكلة هي المشكلة. فلو أنني حضرت اليوم معرضاً من معارض التجارة أو الصناعة أو الزراعة، فيه ما أبدعت العلوم وتوعت الحضارة من مختلف الالات والأدوات والسلع والزهور، ثم طلب إلى أن أسمي كل معروض فيه لما صنعت أكثر مما صنع ذلك البدوى الذي حضر وليمة عرس في بغداد، فوصف لقومه ألوانها وصحافها بصفاتها لا بأسمائها وبأثرها في حلقه، لا بعينها في يده. وليس معنى ذلك أن المجمع لم يعمل طول هذه المدة، إنه عمل بإخلاص، وسعي يجد، وأنتج