/ صفحة 21/
جنابة التعصب على الاخوة الإسلامية:
إن عهود الخلاف البغيض، والعصبية الطائشة، قد أفضت بالمسلمين بعضهم مع بعض إلى موقف كانوا فيه أسواً حالا من موقف أعدائهم، فهؤلاء عاملون بالبر والقسط، وأولئك يعاملون بالعنف والتسفيه، بل يتهم بعضهم بعضا بالكفر والمروق، وقد نبت هذا المعني أول ما نبت في بيئة الخوارج، فهم الذين كانوا ينظرون هذه النظرة القاسية إلى مخالفيهم في الرأي من المسلمين، فإذا وقع في أيديهم كتابّي تركوه وشأنه ولم يعرضوا له بسوء وأبلغوه مأمنه، أما إذا وقع. لهم مسلم من مخالفيهم فإنهم يستحلون دمه، لأنه في زعهم كفر بعد إيمانه، ولذلك كان بعض المسلمين إذا ألفت به المقادير بينهم لم يجد وسيلة إلى التخلص من شرهم، والإفلات من أيديهم، إلا أن يكني عن دينه، فيقول: أنا من أهل الكتاب، وعندئذ يطلقونه ويحمونه .
فهذا الذي يرويه التاريخ عن الخوارج وتعصبهم على أهل القبيلة الإسلامية، واعتبارهم الاختلاف في الرأي مروقا من الدين، قد سرى إلى المسلمين في كثير من عصور التاريخ الإسلامي، وشمل كثيراً من الأقطار الإسلامية، وكان المسلم بخاصم أخاء المسلم وبقاطعه، بل بظلمه ويهضمه ويسلمه مجرد أنه يخالفه في مذهبه أو ينتسب إلى طائفة غير طائفته، وهكذا بعد أن كان المسلمون في مونف يتلقون فيه أمر ربهم بالإحسان إلى أعدائهم، والبر بخصومهم، والعدل معهم، أصبحوا في موقف يذكرون فيه بأخوة الإسلام، وتراحم الإيمان، وأصبح بعضهم يلتمس العدل وانصفة في معرفة رأية، والوقوف به عند حده دون تأويله تأويلاً سيئا، وتحميله ما لا يحتمل من وجوه الكفر والمروق ونحوها ـ أقول: أصبح بعضهم يلتمس ذلك من بعض فلا يجده ولا يصل إليه، كأنه مع أخيه أدنى حالا من الكتابي أو المشرك مع المسلم.
يجب أن يزول هذا إلى غير رجعة، يحب أن يتسامي أهل الإسلام عن هذا الحضيض، حضيض الخلاف والقطيعة والإنصات إلى النزعات المفرقة المبددة للجهود، الصارفة عن النافع من الأعمال الصالحة، والعلوم الصحيحة.