/ صفحة 20/
والنصرة،ويدل عي ذلك قوله تعالى بعد الآية المتقدمة "إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوّهم، ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون، فقد صرحت هذه الآية بأن المنهي عنه ـ في شأن هؤلاء ـ هو اتخذهم أولياء، لا مجرد البربهم، والقسط إليهم .
العداوات ليست دائمة:
وقبل هاتين الآيتين يقول جل شأنه: "عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة والله قدير والله غفور رحيم" وفي هذا إيحاء بأن العداوات ليست دائمة، وأن القلوب تتغير وتتحول، وأن الرفق والإحسان قد يكونان سبيلا إلى إصلاح النفوس، وتقرب القلوب، وقد حدث فعلا في تاريخ المسلمين أن كثيراً ممن كانوا أعداء لهم، وحرباً عليهم قد أسلموا وحسن أسلامهم، وأبلو، في الدفاع عن الدين بلاء حسنا، فالله تعالى لا يرضى بأن يتخذ المؤمن مخالفه في الدين ولياً ومناصراً، ولكنه مع ذلك يعطي هذا المخالف حقه في علاقات المعاشر ة والمواطنة التي تقوم على البر والرحمة والقسط، وكلا الأمرين هو غاية الحكمة والدستور الطبيعي للإنسانية في كمال وعيها، وكمال رقيها وسموها .
استطراد للعبرة: المسلمون أولي بالبر والقسط فيما بينهم:
ويحسن بنا أن نقف هنا وقفة يسيرة مستطردين إلى معنيي يهمنا في هذا المقام فنقول: إذا كانت سماحة الإسلام قد وصلت إلى حد أن أباحت للمسلمين البر باعدائهم ومخالفيهم في الدين، وأن يقسطوا إليهم،
ويعدلوا في شئونهم، وإذا كان القرآن الكريم قد نهي المؤمنين عن ملاحظة عوامل الشآن في معاملهم لأعدائهم وقال لهم: "ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا، وتعاوبوا على البر والتقوى، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان" ثم قال لهم: "ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى"; أفلا يذكر المسلمون أن علاقتهم فيما بينهم أولى بهذه السماحة، وأجدر بأن تبني على أساس البر والرحمة والقسط، فلا تحملهم النزعات الطائفية أو المذهبية أو المذهبية على تناسي ما بينهم من أخوة الإسلام، والتراحم الذي لم يحرم القرآن منه حتى أعداء الإسلام؟