/ صفحه 205/
فهو ينظر إلى البيت يعرضه على ما عرفه من البحور وقواعدها، ويتبين ما فيه من زحاف وعلة، ويحكم بما يجوز من ذلك وما لا يجوز، فهذا عارف، وبعض آخر له أذن موسيقية تحس نُبُوالوتر ـ كما يقول حافظ إبراهيم ـ يحكم على البيت بالصحة أو بالاعتلال بمجرد سماعه، وهذا هو الادراك.
الذوق هو الحكم:
إذن ما هي الوسيلة التي نعرف بها الاعجاز ـ على ما يرى السكاكى ـ أو ندركه عى ما ذكر ابن خلدون؟ الوسيلة هي الذوق، وقد ظهر ذلك واضحاً من كلام ابن خلدون، وليس هذا الأمر بأقل وضوحا في كلام ا لسكاكى، بل إنه ذكره وأكده، وأصر عليه وكرره في كتابه، فمرة يقول بعد أن ذكر أوجها أربعة للاعجاز: "يخمسها ما يجده أصحاب الذوق من أوجه الاعجاز... ولا استبعاد في إنكار هذا الوجه ممن ليس معه ما يطلع عليه، فكم سجنا الذيل في إنكاره، ثم ضممنا
الذيل ما إن تنكر" ويقول في موضع آخر: (و مدرك الاعجاز عندى هو الذوق ليس إلا).
وينسب الامام الخطائي هذا الرأى إلى الاكثرين من علماء النظر، فيقول: "ذهب الاكثرون من علماء النظر إلى أن وجه الاعجاز في القرآن من جهة البلاغة، لكن صعب عليهم تفصيلها، وصفوا فيه إلى حكم الذوق".
ويرى ابن سنان الخفاجي، أن العلة في المفاضلة بين الكلمات كثيرا ما تخفى، ولامدرك لها إلا الذوق، ويسوق هذا المثال "و ليس يخفى على أحد من السامعين أن تسمية الغصن غصناً أو فنناً أحسن من تسميته عسلوجا، وأن أغصان البان أحسن من عساليج الشوحط في السمع.. كل ذلك لها قدمته من وقوعه على صفة يسبق العلم بقبحها أو حسنها من غير معرفة بعلتها أو بسببها.
هذا، وما أظننا نحتاج إلى كثير من الجدل لنثبت أن كل روائع الجمال سواء كانت في الطبيعة أو في الفنون لا يمكن إدراكها إدراكا حقيقيا بواسطة الابانة