/ صفحة 19/
النداء الثالث: وهو السابع من نداءات السورة ـ يكرر النهي عن اتخاذ الأعداء أولياء، ولكنه يذكر هؤلاء الأعداء بأوصافهم التي استحقوا بها هذا النهي عن ولائهم، ويجمع في ذلك بين الذين أوتوا الكتاب والكفار من كل من اتخذ الدين هزواً ولعباً، وذلك قوله تعالى:
(يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزواً ولعباً من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء، واتقوا الله إن كنتم مؤمنين، وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزواً ولعباً، ذلك بأنهم قوم لا يعقلون) .
هذه هي النداءات الثلاثة التي جاءت في سورة المائدة متضمنة النهي عن موالاة المؤمنين لغيرهم من أهل الكتاب ومن الكفار .
لا موالاة للأعداء، ولكن بر وقسط وإن سلف منهم الإيذاء:
وينبغي أن يذكر القارئ أن هناك فرقاً بين (الولاية) التي هي النصرة والمعاونة على تحقيق غرض مشترك، بحيث يؤمن كل من (الوليين) أن لصاحبه عليه حقاً هو مطالب بأدائه عن باعث قلبي، وبين البر والقسط اللذين يجب أن يسودا المجتمع وتقوم عليهما العلاقة بين المواطنين، وإن لم تجمعهما فكرة، أو تؤاخ بينهما عقيدة، ولذلك وقف القرآن من كل واحدة من هاتين العلاقتين موقفاً يناسبها، فهو ينهي المؤمنين أشد النهي عن اتخاذ المخالفين لهم من أهل الكتاب والمشركين (أولياء) يرتبطون بهم ارتباط المتناصرين بعضهم ببعض، وذلك بأن يستعينوا بهم على المؤمنين، ويعينوهم عليهم، بينما يبيح للمؤمنين أن يعاملوا مخالفيهم في الدين معاملة أساسها البر والرحمة والقسط، ما دام لم يصدر منهم إيذاء لهم، ولا تحريض عليهم، ولا محاولة لفتنتهم عن دينهم (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين) بل هو يذهب إلى أبعد من هذا في التسامح، فيبيح المسلم أن يتخذ البر والقسط أساساً للتعامل بينه وبين مخافة الذي آذاه، بشرط ألا يصل الأمر بينهما إلى حد (الولاية)