/ صفحه 197/
ففي البيت الأول يحذر الفرزدق في تحديه قيساً بسوء العاقبة، وفي الثانى يخطئه في زعمه الكاذب في ارتشائه لانه كريم يخص الاكرمين بثنائه، وفي الثالث يكشف له مخازى دارم، فليس هم يوم خالد في صفحات الماضي، وفي الابيات الثلاثة نبزه بلقب لابيه، إذ جعله قينا، وتلمس جرير هذا التبز من نزول قيون عند جده الادني صعصعة وإقامتهم معه، وسحب هذا النبز من جده الادني على جده الاعلى مجاشع، ثم اعتبر هذه المهنة الحقيرة صناعة مجاشع وفروعه، فالفرزدق قين ابن قين الخ، وحلا لجرير هذا النبز كماترى في الابيات الثلاثة، وهكذا كل هجاء منه لا يخلوا عنه، بل لقد أسرف في الاكثار منه أحيانا إيغالا في التنكيل، من ذلك مثلا قوله:
هو القين وابن القين لا قين مثله * * * لفطح المساحي أو لجدل الاداهم(2)
ولقد اتخذ بعض الشعراء هذا البيت فكاهة يتندر بها على الفرزدق
دعابة:
لقيه يوما خلف بن خليفة وهو شاعر ظريف دّعاب راوية، إلا أنه (أقطع) ـ له أصابع من جلود، فقال له يا أبا فراس، من الذي يقول:
هو القين وابن القين لا قين مثله * * * لفطح المساحي أو لجدل الاداهم
فأجابه على البديهة بما أخجله واستخذى منه، قال: هو الذي يقول:
ـــــــــــ
1- القين: الحداد، والاراقم: قبائل من تغلب سمواً بذلك لان عيونهم تشبه عيون الاراقم (الحيات) ويوم الاراقم كان لقيس عليهم وهو من الايام المشهورة.
2- المساحي: جمع مسحاة: الآلة التي يجرف بها الطين وتقشر بها الارض، وفطحها: تعريضها وتسويتها، والاداهم: القيود، وجدلها: إحكام صنعها.
هو اللص وابن اللص لا لص مثله * * * لنقب جدار أو لطر الدارهم(1)
فلم يحر خلف جوابا وأفحم (حذو القُذَّة بالقذة)(2) وموطن التعجب هنا براعة الفرزدق وسرعة خاطره ومواتاة قريحته في قرضه بيتاً على وزن، وروى بيت جرير لم يتخلف عنه في هجر اللفظ وفاحش المعنى. ولنعد إلى ما نحن بسبيله.