/ صفحه 198/
لقد تبادل الشاعران: جرير والفرزدق الشتائم والسباب بكل قارصة من القول في قاموس الشتائم، يعثران عليها طيلة أيامهما حتى توفي الفرزدق.
و لما علم جرير بوفاته بكي، فقيل له أبا حزرة ما أبكاك؟
قال: بكيت لنفسي، إنه والله قل ما كان اثنان مثلنا، أو مصطحبان أو زوجان، إلا كان أمد ما بينهما قريبا، وكذلك كان، فأنه مات بعده بنحو ستة أشهر.
قلت: ما كتتُ أتوقع عند سؤالي عن نسبة البيتين لجرير كما في الاغانى، بعد سماعى منك نسبتهما لفرزدق ـ أن تفيض في البيان بما لا يدع خلجة شك في نسبتهما للفرزدق كما قلت، لا من ناحية المعنى، لانه يخالف الواقع المعروف، ولا من ناحية القصيدة التي منها البيتان، وظنى أن النسبة في الاغانى عرضت سهواً، ومرجع السهو إلى المشابهة بين الشاعرين في جزالة شعرهما، وتقارب هدفهما في المعانى.
إني لا حتسب لك الجزاء عند الله فيما تقدِّم من معارف يرجع الاستلفات لها إلى ما توحي به: إن في مقام البحث العلمي، وإن في مستطرف الملح للترويح، فإن الملحة التي تنفلَّت بها مع ما تلاها، أعادت إلى النفس نشاطها في الاقبال والاصاخة والانتباه، وهي مع ما بعدها تعتبر في التقنين العلمى بمثابة الجملة المعترضة تقع بين كلامين متصلين معنى، واعتراض الجملة إعراباً لا ينافي حسن موقعها، فقد تذهب طلاوة القول وجمال روائه بذهابها، وفن المعانى في إطنابه

ـــــــــــ
1- طر الدارهم: خلسها، ونقب الجدار وطر الدارهم يزاولها اللص.
2- القذة فعله بمعني مفعوله: الربشة المقذوذة (المقطوعة) على قدر صاحبتها في ا لتسوية وهذا مثل في الميداني (الحاء) يضرب في التسوية بين الشيئين.
كفيل بمآثرها. كنت قبل الملحة وعيت منك ما جلوته عن بينة في الأخين وإلياسين، وأنهما لا يلتقيان، فانجاب عن القلب الغين، وانبلج الصباح لذى عينين.
وحبذا لو تطولت بشرح التفصيل الذي وعدت به فيما فرط من حديثك من قولي العلماء في إلياسين، فانك الذي استرعيت انتباهي إليه، كما تطولت في مقالك الماضي، ومنهوم العلم لا يشبع فلذته فوق لذات الحياة ومتعها.