/ صفحه 194/
نسبتهما للفرزدق فيهما ـ والارتباط بين الشعر وقائله وثيق، لانه من أقوى العوامل المعينة على فهم الشعر والاحاطة بما يرمي إليه. فهل ما في الاغانى خطأ؟
ما في الاغانى خطأ:
قال: ما في الاغانى خطأ ما في ذلك من شك، ومنار السالك لليقين يرشد إليه أمران: الأول نزعة كل من الشاعرين في اتجاهاته مدحاً وهجاه طوعا لوضعه الطبعي، الثاني رواية القصيدة التي منها هذان البيتان، فيم ومتى ولم قيلت؟
الأول: يلتقي الشاعران نسبا في حنظلة الذي ينتهى نسبه إلى تميم، فإذا نبز أحدهما الاخر من ناحية الاجداد متعرضاً لمثالبهم منقبا عن سوءاتهم لا يتجاوز حنظلة مجمعها، فمن فوقه من باب أولى إلى تميم فمن علاه إلى إلياس بن مضر، ويفترقان في خؤولتهما، فخؤولة جرير تجتمع مع عمومته في كليب بن يربوع، وخؤولة الفرزدق في بنى ضبة، فكان تهارشهما وملاحاتمها في خؤولهما، وفي الاباء إلى حنظلة فيما واتاهما الشعر المسف والهجاء المقذع.
ولقد خلف هذا التهارش ثروة ضخمة في الأدب العربي، استبقت له أحداثه الجلى، محيطة بالتعريف عنها زماناً ومكاناً وسبياً، كما حافظت على أعلام الاناسي والايام والاماكن في سجلها، ولولاها لعراها المسخ والتغيير والتحريف.
ولذا فإن الادباء جلا حريصين على النقائض بين حرير والفرزدق كنز أدب ونقد وتاريخ.
أرث التنافس في الحظوة المادية والادبية نار الملاحاة والتهاجى بين الشاعرين ومن ورائهما عشائرهما تغريهما بكل حافز حتى ألقيا بأنفسهما في تنور الاضطراب الذي أقض مضاجعهما فلم يألوا جهداً في السباب، وكان الغلب بينهما سجالا.
كان جرير يعوزه المال، فلم يجد بداً أن يشيم كل برق يعقبه المطر المطال ولا يتحرج أن يستجدى بعد الخلفاء والامراء سادة قيس، فيتغني بمواقف قيس المشهورة، ويدون انتصاراتهم الرائعة، بينما كان يحط من شأن أجداد الفرزدق، الذين إليهم آلت مكانة الجد الاعلى تميم، فالغض منهم غض تميم،