/ صفحه 193/
فلو قال الفرزدق:
فانك إذ تهجو تميماً وترتشي * * * تبايين قيس أو سحوق العمائم
كتاركة بيضها بالعراء * * * وملبسة بيض أخرى جناحا
لكان أشبه منه ببيته، ولو قال ابن هرمة مع بيته.
و إني وتركي ندى الاكرمين * * * وقد حي بكفي زندا شحاحا
كمهريق ماء بالفلاة وغره * * * سراب أذاعته رياح السمائم
كان أشبه به)(2)
نقد الحاذق الحكميّ الشاعرين في تشبيهيهما لعدم الاستحكام في التجانس بين المشبه والمشبه به عندهما، ذلك أن الفرزدق يوبخ جريراً على ذمه قبيلته مع ارتشائه قيساً فلا يناسبه أن يكون كمريق الماء المخدوع بالسراب، وأن إبراهيم ابن هرمة يؤنب نفسه على صدوفه عن الكرماء وطموحه إلى الاشحاه، فلا يحاكي التاركة بيضها بالفلاة المحتضنة ببض غيرها. ثم استحسن التقارض بينهما في المشبه به، حتى يستقيم لهما تشيههما. وإنه لحق لا وهم فيه.
إن تمني الحكمي في التعاكس بين التشبيهين قمن بالتقدير.
قلت: إنما لملحة، فيها للروح متعة، لان النقد فيها من طراز يعز مثله، فعهدى بالنقد أن يثرب الناقد على الشاعر مستحسنا أنه لو قدم، أو بدل، أو حذف، أو تأمل، إلى آخر ما يعن له، أما أن يهجنه مع شاعر آخر، ثم يرأب ما أثأت غفلتهما باستعارة صنيع الأول للثاني والثاني للاول، فذاك ما لم اسمع به من قبل، ولكن ابن هاني باقعة يعق على ما لم
ـــــــــــ
1- زند شحاح: لا يورى. والعراء: الفضاء لاستر به.
2- الاغاني أخبار عبيدالله بن عبدالله بن طاهر ص 41 - 42 ح 9 طبع الدار.
يبصره غيره.
بقي لي بعد هذا استفهام في هذا النقد عن أمر لا يتعلق بجوهر الموضوع، إنما يتعلق بقائل البيتين الاولين، من هو؟ فبين أيدينا الاغاني وقد نسب فيه البيتين الاولين لجرير على لسان أبي نواس مرتين: في النقد وفي التمى لنلافيه مع أنك