/ صفحة 18/
آيات النهي عن مولاة المؤمنين للكافرين في هذه السورة:
بعد هذا تجيء الآيات التي تنهى المؤمنين عن اتخاذ أعداء الله أولياء، وهي نداءات ثلاثة:
أولهما: في تقرير هذا النهي، وبيان أن واقع الطبيعة والفطرة تقتضيه، وأن مجاوزة هذا الواقع ظلم لا يرضاه الله، ولا يهدي أصحابه، ثم في تصوير اندفاع مرضي القلوب إلى ارتكاب هذا الظلم، وما يتعللون به من المعاذير لتبرير فعلهم وما يرجى من تطور الأُمور تطوراً يفضي بهم إلى الندم والحسرة، ويقضي بالمؤمنين إلى الشماتة بهم، والسخرية منهم، وذلك هو قوله تعالى:
(يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء، بعضهم أولياء بعض، ومن يتولهم منكم فإنه منهم، إن الله لا يهدي القوم الظالمين، فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم، يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة، فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما اسروا في أنفسهم نادمين، ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم؟ حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين) .
النداء الثاني من هذه النداءات الثلاثة ـ هو الثامن من نداءات السورة ـ في أن الله تعالى مستغن عمن يرتد عن دينه، وان يضره ذلك شيئاً، وسوف يأتي بدل من يرتد بقوم تتحقق فيهم صفات الإيمان الصحيح، والجهاد الصادق، وقد ألحق بهذا النداء آيتان أخريان تقرران أن المؤمنين ليس لهم من ولي إلا الله ورسوله وإخوانهم في الإيمان والتزام أحكامه، وأن عاقبة الذين يتولون الله ورسوله والذين آمنوا هي الفلاح والغلب، لأنهم حزب الله، وذلك هو قوله تعالى:
(يأيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين، يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله واسع عليم. إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون. ومن يتول الله ورسوله والذين أنوا فإن حزب الله هم الغالبون) .