/ صفحه 160/
و الزهد بمعني الاعراض عن طيبات الحياة ليس له مصدر في الكتاب الكريم، ولا في السنة النبوية، وإنما انعكس في أذهان البائسين من فقرهم وفاقتهم، أن أفكار الانسان ورغباته لا تأتيه عفواً، ولا تهبط عليه من السماء وإنما تتولد من واقع حياته، والظروف التي تحيط به.
و لو لا وجود الفقراء المعذبين في الارض، لولا الطمع وظلم الانسان للانسان، لو طبق مبدأ التعاون الاخوى، والمساواة دون اعتبار لطبقة أو فرد، لما عرف الناس معني الزهد، ولما كان للفظه في قواميس اللغة عين ولا أثر، ويكفى للدلالة على هذه الحقيقة زهد الامام على (عليه السلام)، وأبي ذر، وغيرهما من أنصار الحق، ودعاة العدالة، قال الامام: هيهات أن يغلبني هواى، ويقودني جشعي إلى تخير الاطعمة، ولعل في الحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص، ولا عهد له في الشبع، وقال أبو ذر: عندما خصه عثمان بمبلغ من المال لا اقبل عطاء لا يعم كل معوز.
أعرض الهداة المتقون من الزهاد من متاع الحياة وطيباتها لا رغبة عنها، بل احتجاجا على من استأثر بها، واحتكرها لنفسه دون سواه. أرادوا
القضاء على الفوارق والامتيازات ليعيش الجميع في أمن وسلام، فلا تكالب ولا تطاحن على أرزاق الشعوب، ولا حقد ولا حسد على الرغيف.
زهد الامام في لذائذ العيش، وهو الحاكم المطلق ليفهم الاجيال أنه ليس لمن يتولى أمور الناس أن يشبع وفيهم جائع واحد. إن الاعراض عن متاع الحياة مواساة لمن حرم منها، كما فعل الامام إن دل على شيء فانما يدل على قيمة الحياة وأهميتها لاعلى احتقارها وازدرائها، وقد ثبت في الحديث الشريف أن حرمة الاموال كحرمة الدماء، فالاعتداء على قوت انسان اعتداء على دمه وحياته، فكيف بالغاصبين المحتكرين أقوات الشعب وموارد ثرواتهم.
أما الآيات والروايات التي استدل بها بعض الزهاد، فلا تدل على الترغيب