/ صفحه 159/
قوم إذا غسلوا ثياب جمالهم * * * لبسوا البيوت إلى فراغ الغاسل
و منهم السيرافي النحوى الحسن بن عبدالله كان ينسج ويأكل من كسب يده، ومنهم الشيخ أبو حامد الاسفراينى، قيل في سيرته: إنه إمام المذهب على ا لاطلاق وشيخ الإسلام والمسلمين قاطبة، وكان يحضر مجلسه ثلاثمائة متفقه، كان هذا الشيخ يشتغل حارساً في الليل لبيوت الناس، ويقرأ ويطالع على ضوء فانوس الحرس، ومنهم الزبيدى محمدبن يحيي تزيد مصنفاته على مئة تصنيف في شتى العلوم والفنون، وقد بلغ به الفقر والجوع أنه كان يضع نواة في حلقه يلوكها ليتعلل بها.
و منهم عبدالقادر السهروردى كان يبقي اليوم واليومين لا يذوق الزاد، وكان ينقل الماء بالقربة بأجر زهيد. وكان الشهيد الثاني زين الدين العاملي على علمه ومكانته ينقل الحطب على ظهره إلى أهله لعجزه عن أجرة الخادم، وباع الشيخ عبدالمحسن الصورى عمامته ليشترى بثمنها قوت يومه، ويكفي هذا العدد اليسير مثالا لحياة قادة الفكر وائمة الدين واللغة البائسين، وتمهيداً لبيان فكرة الزهد وأسبابها.
عاش الخلبل في خص من القصب لا يملك فلسين، واشتغل شيخ الإسلام والمسلمين حارساً، ومات الاخفش من الجوع، عاش هؤلاء وأمثالهم في الحرمان وهم يرون إلى الاموال تجبى من العامل والفلاح وغيرهما في شرق الارض وغربها ليبذرها الخونة والمقامرون على الحرام والفسوق، ويمتلكون بها الدور الشاهقة والضياع الواسعة، وكان من نتيجة هذا الوضع الشاذ أن تراكم السخط والاستياء في نفوس الشيوخ المحرومين من الذين قدمنا ذكرهم، والذين لم نأت لهم على ذكر وعوضاً عن أن يحملهم هذا الاستياء على النضال وجهاد القائمين على الظلم، فقد انقلب في نفوس الكثير إلى يأس من الاصلاح وتبدل الحال، وتولد من هذا اليأس فكرة الزهد في الحياة الدنيا، والتهوين من شأنها، وكان لهذه الفكرة خطورتها وتأثيرها في الحياة الاجتماعية بين المسلمين، فكتب علماؤهم في الزهد وأطالوا، ودعو إليه في امساجد والمحافل، وألبسوه ثوب الدين والقداسة،