/ صفحة 16/
للنفس، أو التحيز للقرابة، مما يبعث على تلوين العدل بغير لونه، وإعطاء المشهود له ما لا يستحقه، وذلك هو الإخلال بالعدل عن طريق محاباة النفس، أو من تميل إليه النفس .
البغض في الله لا يبرر الانحراف عن العدل:
ومما ينبغي أن نلتفت إليه أن الآية التي نحن بصددها من سورة المائدة تختم بالأمر بالعدل، وبيان أنه هو الأقرب للتقوى، أي من ملاحظة دواعي الكراهية والشنآن، وكأنها بذلك تشير حتى إلى الحالات التي يكون فيها الشأن لله، لا لغرض شخصي أو دقيوي، فالمكروهون حتى لمثل هذا الغرض الشريف، الذين تقر الشريعة بغضهم، بل تأمر به، يجب أن يتمتعوا مع هذه الكراهية بالعدل وإيفاء الحق، فلو أننا وازنا بين
المصلحة في ظلمهم، والحيف عليهم، انتقاماً منهم، وضغطاً عليهم بحجة أنهم أعداء الله، والخارجون على أمره، والمفسدون في أرضه، لوجدنا المصلحة الأولى أحق بالاعتبار، وأشبه بالسمو الذي يريده الله لبني الإنسان وأقرب لتقوى الله، وأدنى إلى تحقيق مرضاته، أما المصلحة الأُخرى فليست بجانب هذه إلا وهما يخيله الشيطان ليفسد به العدل على المؤمنين، ويدس به عليهم، كيداً لهم وخداعا، وإيقاعا بهم وبمجتمعهم، على أن أمر الكراهية والشأن غير منضبط، فكثيراً ما يظن الإنسان أنه يكره أمراً لا يكرهه إلا في الله، والواقع أنه يكرهه كراهة شخصية لسبب من الأسباب بداله أو خفي عليه، وليس من الحكمة أن تعلق العدالة بهذه العاطفة المتأرجحة غير المنضبطة، وإنما الحكمة كل الحكمة تقضي بأن تكون العدالة حرة مطلقة الحرية، محايدة لا تعرف المحاباة ولا الكراهية، ولذلك يمثلونها في هذا العصر شخصاً معصوب العينين، حتى لا يرى ما يتأثر به، وفي يده ميزان مستقيم، وتا لله إن هذه لهي عدالة الإسلام التي يأمر بها القرآن، ولا يرضي إلا بهارب القرآن، والتي لا تعرف عدواً ولا صديقا، ولا قريباً ولا بعيداً، والتي تضع أمام الناس هذه الحقيقة الصادقة، إذ تثبت ميزان العدالة في أيدي الممسكين به، وتخوفهم من أن يلتووا فيه، أو يعتدوا على