/ صفحة 15/
القسط صمام الأمن في كل مجتمع:
هكذا يأمرنا الله تعالى أول أمر في هذا النداء، ثم يأمرنا بعد ذلك بالأمر الثاني، وهو قوله عز وجل: "شهداء بالقسط"، والقسط هو العدل، وهو صمام الأمن في كل مجتمع، والشهادة به إظهاره للحاكم ليحكم به،وإظهاره من الحاكم بالحكم،فالحكام مطالبون بأن يكونوا شهداء بالقسط، على معني أن يظهروه ويؤيدوه ويحكموا به، والناس مطالبون بأن يكونوا شهداء بالقسط على معني أن يدلوا به إلى من ولوه حكمهم، وأن يظهروه عليه،ويؤيدوه فيه، ويرضوا به ولا يخرجوا عليه، واقسط في الحكم والشهادة هو أساس الاستقرار والطمأنينة في كل مجتمع، فما دام ميزانه صادقاً، والأيدي التي تمسك به أمينة حفيظة; فالمجتمع بخير وسعادة، أما إذا اختل ميزانه، أو اعتل من وكل إليه أمره، فهنا الشقاء كل الشقاء، وهنا التزعزع أشد التزعزع، وهنا ضياع الثقة بين الناس بعضهم وبعض،وبين الحاكمين والمحكومين، وهنا تربص كل فريق بصاحبه، وتحيّن الفرص للإيقاع به، وهنا ـ لذلك كله ـ ضعف الأُمة، وطمع أعدائها فيها، ثم انقضاضهم عليها، ثم استعبادهم لها، وما كان الله ليظلهم، ولكن كانوا أنفسهم يظلون".
العدل ميزان، لا يتأثر بالحب ولا بالشنآن:
ثم يقول الله تعالى: "ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى، واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون" فينهي بذلك للمرة الثانية في هذه السورة عن ملاحظة عوامل الكراهية والشأن، التي من شأنها أن تلوّن العدل بغير لونه، وأن تحمل على التحيف وإضاعة الحق، وذلك هو الإخلال بالعدل عن طريق الإجحاف بصاحب الحق،والحيلولة بينه وبين الوصول إلى حقه .
وقد جاء المعني المقابل لهذا في سورة النساء حيث يقول الله جل شأنه: "ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين" فهو نهي عن ملاحظة عوامل التعصب