/ صفحة 14/
ويقومون بهذا وذاك قياما معتاداً مألوفا لا يكلفهم انبعاثا خاصا، ولا يدفعهم إلى بذل جهود فوق العادة في سبيل تجويد أعمالهم وإتقانها، ولكننا نصادف في الأمم، وفي البيئات العامة أو الخاصة، أفراداً يكون اهتمامهم بأعمالهم وما أسند إليهم، أو ما أخذوا أنفسهم بالقيام به، اهتماما على نحو فريد له شأن يلفت النظر، ويثير الإعجاب، ويبشر بالخير والصلاح. إن أمثال هؤلاء يفنون في أعمالهم فناء كليا، ولا يدخرون في سبيل إصلاحها وإتمامها سعياً ولا جهدا، ويغارون عليها غيرة شديدة تبعث فيهم نشاطاً عجيبا، وجلداً غريبا، وصبراً يصبح مضرب الأمثال، ترى الواحد منهم لا همّ له إلا أن يحقق النجاح لما اضطلع به من شأن، ولا شيء في نظره يمكن أن يلويه عن ذلك أو يصده، فلا هو بالحريص على غني أو مجد يناله،ولا هو بالضعيف عن عقبات أو صعاب تعترضه، ولا هو بالاكص على عقبيه إذا طال عليه الأمد، أو تعقدت بين يديه العقد .
هذا هو "القوّام" بالشيء وهذا هو الذي يطلب الله إلى المؤمنين أن يكونوه له، فهو يريدهم أن يكونوا "قوامين لله" مضطلعين بأمره على نحو قوي ظاهر القوة، لا أن يكونوا صوراً ضعيفة هزيلة، يرضون بأيسر الأُمور، وأدنى الآمال، ولا يبذلون أكرم الجهود، ويتلمسون المعاذير عن ضعفهم وتخاذلهم،وهذا لون من التربية للشعوب، والعمل على إيجاد رأي عام قوي فيها، كما يقول علماء الاجتماع، يكون مهيباً محترماً، يوجه إلى الخير العام الذي يصوره هذا التعبير البليغ الجامع: "كونوا قوامين لله" فكل الناس مطالبون بأن يكونوا على هذه الصفة، ذوى شخصيات قوية، مضطلعة بما تضطلع به في ثبات وعزم وشجاعة، واضطلاعها بذلك لله، فهو قصدها، وهو باعثها، وهو ملهمها، وهو غايتها، عندئذ يكون الحاكم "قوّاماً لله"
والمحكوم، قواماً لله، والأصح، قواما لله، والمنتصح "قواما لله" ومثل ذك كل عامل فيما خوّله الله، وعندئذ تكون الأُمة بناء قويا، من لبنات قوية، وتكون في حصانة من أن تهضم أو تهدم أو تهزم أو تظلم أو تهمل .