/ صفحه 148/
صناعة الكلام لحفظ الوقائع وتسجيل المثالب والمناقب، فالشعر ديوان العرب، وهم أميون لا يتكلون على الكتب المدونة، والخطوط المطرسة، ولبعض هذه العلل صارت نفوسهم أكبر، وهممهم أرفع، وهم من جميع الأمم أفخر،و لايامهم أذكر"(3)
و خلاصة القول: يريد الجاحظ أن بني العباس اقتبسوا ما اقتبسوه من قواعد الدواوين ورسوم الدول الاعجمية البائدة، فنقلوه إلى دار خلافتهم، فأصبحت رسوم دواوينهم والقواعد المتبعة فيها شبيهة بتلك العادات والرسوم من بعض الوجوه، فليس في قوله ما يشين دولة بنى العباس، وكيف يفعل ذلك وهو أشهر كتاب العصر الأول من عصور الدولة؟ عاصر المأمون والمعتصم والواثق والمتوكل أي أنه عاش في أزهى عصور العباسيين أثيراً عند خلفائهم وأعيان دولتهم، ولهم ألف جملة من أحسن كتبه ورسائله، ومنها كتابه الذي سماه "إمامة ولد العباس" (4) ويعد الجاحظ فيما يراه بعضهم من الغلاة في تعظيم العباسيين، فقد زعم أن الطواعين الجارفة زالت عن بنى آدم ببركة بنى العباس، ولم ير

ـــــــــــ
1- البيان والتبيين، المطبعة العلمية "2/154 "
2- البيان والتبيين "1/78، 145، 154 (157" و"2/169، 171 "
3- مناقب الأتراك للجاحظ (12) وانظر أيضاً (42 - 43) من هذه الرسالة.
4- مروج الذهب (2/143).
الناس من هذه الطواعين ما رأوه في دولة بنى أمية.
هذا ما عناه فريق من قدماء المؤرخين والكتاب بقولهم عن الدولة العباسية: إنها دولة فارسية، وعن دولة بني مروان. إنها دولة عربية أو أعرابية. وقد أسيء فهم هذه الأقوال من قبل بعض المعنيين بالتأريخ شرقا وغربا، وعلى هذا الوجه الذي بيناه آنفاً فهمت أقوال الجاحظ في عصره، وعلى هذا الوجه ينبغى أن تفهم في كل العصور. ومن الخطأ الشنيع، بل من الظلم الفاحش، أن تفسر هذه الاقوال بأن الدولة العباسية دولة فارسية في روحها ونزعتها، وأن دعوة أنصارها من الموالي والخراسانيين وغيرهم كانت موجهة إلى الكيد من الأُمة العربية، أو إلى بعث المجد الساساني البائد، وأن النزاع بين الدولتين إنما هو