/ صفحه 140/
النسب كما كانت مضر تسودهم على أصالة الرأي، وربيعة على تعجيل القرى وإطعام الطعام.
هذه آراء رهط من المؤرخين المحدثين أو المستعربين، وهي كماترى آراء مدخولة على الاكثر، والحقيقة أن الفخر بالاحساب، والاعتزاز بالأنساب أو الطعن فيها، من السجايا التي جبل عليها العرب ولم يفارقوها حتى اليوم، ولن يفارقوها إلى ما شاءالله، مع أن الغلو في هذا الضرب من التفاخر منهى عنه في الإسلام، ولكن هذا الانسان قد يصبو إلى

ـــــــــــ
1- انظر مروج الذهب (2 / 139. 141) عن رأي المسعودي في منشأ هذه العصبية.
2- المعروف أن الخلاف وقع بين الاوس والخزرج في الجاهلية ـ وهو الانصار بعد ذلك ـ بسبب التفاخر والمنافرات، وقد تطاولت الحروب بين الحيين عشرات من السنين إلى أن أشرفوا على الفناء، ولكن الشحناء ارتفعت من بينهم بدعوة الإسلام، فأصبحوا يداً واحدة، أنظر عن الحرب بين الاوس والخزرج قبل الإسلام، خزانة الأدب للبغدادى (4 / 208 - 211) طبعة السلفية.

أنظر ما أورده الجاحظ في كتاب: "شرائع المروة"
أنظر عن أشهر منافراتهم في الجاهلية شرح المقامات للشريفى والاغانى. وقد وضعت كتب في منافرات الجاهلية منها كتاب منافرات العرب لابي عبيدة.
دين غير دينه، أو ينتحل عقيدة غير عقيدته، ثم تبقي كثير من سجاياه وأخلاقه الفظرية كما هي في كثير من الاحيان.
أضعف إلى ما تقدم أن هجرة القبائل من الجنوب إلى الشمال في سبيل العيش وحيازة الاراضى والمراعى الخصبة ـ كهجرة القبائل اليمانية ونزوحهم إلى الجهات الشمالية، ومجاورتهم للقبائل العدنانية ـ من أهم الاسباب في تكوين تلك الضغائن المتوارثة، وانتقالها من جيل إلى جيل.
المنافرات بعد الإسلام:
هذا ما كان في الجاهلية: ولما جاء الإسلام، اعتز العدنانيون به على القحاطنيين، فالرسول الكريم سيد ولد عدنان ولكن القحطانيين حتى بعد إسلامهم ظلوا ـ كما هوشأن العرب ـ يفخرون بمآثرهم في الجاهلية، ولم يستأصل الدين عاطفتهم المذكورة، أو ينتزع ما تأصل في نفوسهم أو خالط دماءهم من هذا القبيل، فكانت لهم في مجالس ا لامويين والعباسيين مواقف معروفة في المفاخرات والمناظرات.
كانت منازل الامويين والعباسيين وأعيان هاتين الدولتين ملتقي السراة من رجال القبائل يمنية ومضرية، ومجتمع العلماء من مختلف المنازع والمشارب، وكانت في بعض أصحاب تلك المجالس نزعة ملحة إلى التعرف والاستزادة من العلم والاطلاع فكانوا يغرون بين زوارهم ورواد مجالسهم ويدفعونهم إلى المناظرات والمماتنات في هذا ا لشأن، وهي مماتنات بريئة فيها مادة أدبية أو تاريخية غريزة، وفيها بلاغة