/ صفحه 130/
من بنى الانسان، فلا خير في امرىء خاضع ذليل طول حياته، ولا في امرىء عنيف مستكبر في جميع حالاته، وفي القرآن الكريم دلالة على أن الاختيال والفخر لا يذمان في كل حال، فالله تعالى يقول "إن الله لا يحب كل مختال فخور" وقضية هذا التعبير أن بعض الاختيال والفخر محبوب، ولا بأس من حمل ذلك على الاختيال والفخر في حالة الحرب ومنازلة الاقران فان ذلك مما يثير الحماسة، ويرهب الاعداء، ويوهن عزائمهم، أو كما يقولون بلغة العصر: يحطم الروح المعنوى فيهم، وقد رأينا أمم الحضارات تهتم "بالدعاية" وترصد لها الاموال، فتملأ ما ضغيها فخراً بتاريخها وأبطالها، وتذكر ما أعدت لاعدائها، وتقوم (بالمناورات) البرية والبحرية لتظهر أمام الناس بمظهر القوة والمنعة، ويشمخ سفراؤها وممثلوها اظهارا لعظمتها وسمو مكانتها، وكل ذلك فخر وخيلاء ولكنه ليس بمذموم ولا مكروه.
كما أن في القرآن الكريم ما يدل على أن خفض الجناح والتذلل يحسنان من المؤمن إذا وضعا موضعهما، قال تعالى
موصيا الولد بوالديه "و اخفض لهما جناج الذل من الرحمة" وقال فيما أدب به رسوله الكريم من أدب السياسة الحكم "واخفض جناحك للمؤمنين" "فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك، فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر" وكل ذلك لين وتواضع في الموضع المناسب، وبينما يقول له في موضع آخر "يأيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم".
ومن هذا يتبين أن الذلة والعزة اللتين وُصِف بهما المؤمنون في الموضعين المناسبين لهما، هما وصفا سمو وفضل، وأن ما يدل عليه ذلك مما يقابلهما من التزلف لاعداء الله باتخاذ الوسائل والايدى عندهم، والتخابث على المؤمنين بخيانتهم وتضييع أمانتهم ونحو ذلك هي أوصاف خسة ودناءة، جدير بالمؤمنين أن يحرصوا على التخلص من أصحابها، وأن يلجأوا إلى الله في تحقيق وعده بايدالهم منهم، والاتيان بأعوان للحق ثابتين غير متقلبين.