/ صفحه 128/
على تحرى الحالة الفضلي، وإن أريد بالاحسان إتقان العمل وتجويده، فليس كل من أدى عملا يكون محسناً بمجرد أدائه، فالاداء قد يكون مجرد تخفف وإبراء ذمة، أما ا حسان العمل وأداؤه كاملا متقنا، فتلك منزلة أس مي، وإنهم ليقولون: ذمة، أما إحسان العمل وأداؤه كاملا متقنا، فتلك منزلة أسمي، وإنهم ليقولون: إن الاحسان فوق العدل، إذ العدل هو التسوية، والاحسان معني زائد عليها، فمن أدى الحق وأخذ الحق، فهو عادل، ومن تجاوز عن بعض حقه، مسامحة منه وكرما، وأعطي أكثر مما عليه تفضلا، أو تلطف في إعطائه، فهو محسن.
و كما يقال هذا في الاحسان، يقال في الصبر، إذالصبر منزلة فوق الاحتمال، لانه مجاهدة وحبس النفس عن كل ضجر أو تبرم، مع اطراد العمل والسعي وعدم الانكماش والانكسار، ولذلك كان الصبر ينبوعا لكثير من الفضائل، وإن اختلفت أسماؤها: فالشجاعة هي الصبر على مكاره الجهاد، والجود هو الصبر على بذل المال والمعروف، والكتمان هو الصبر على شهوة الإفاضة والكلام، ورحابة الصدر هي الصبرعلى المثيرات والمحفظات.. وهكذا، ولهذا أثبت الله حبه
للصابرين كما أثبته للمحسنين فقال "و الله يحب الصابرين".
ومثل هذا بقية المواضع التي أثبت الله فيها حبه لعباده، "ان الله يحب التوابين، ويحب المتطهرين" و"يحب المتقين" و"يحب المتوكلين" و"يحب المقسطين" و"يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص".. الخ.
لم ينف الله حبه إلا عن المقترفين كبائر الاثم:
بقي بعد هذا، الآيات التي نفى الله فيها حبه عن بعض عباده مثل قوله تعالى: "ان الله لا يحب المفسدين " ولا شك أن الفساد إجرام فوق العادة، وأن المفسدين أعداء المجتمع، العاملون على تقويض بنيانه، وزعزعة أمنه واطمئنانه، فإن الذي يذنب ذنباً شخصياً يكون جرمه على نفسه، أما الذي يعيث في الارض الفساد، فجرمه على المجتمع كله، وحسبنا أن الله عزوجل يذكر الفساد والمفسدين في أخطر المناسبات، إذ يقول: "لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا" "و لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الارض". "و لو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات وا لارض ومن فيهن".