/ صفحه 126/
و لننظر في نوعين آخرين من المحبة يحدثنا عنهما القرآن الكريم، وهما موضوع الوصف الأول في آيتنا التي نحن فيها: محبة العباد الله، ومحبة الله للعباد.
محبة العباد لله:
فأما محبة العباد لله فهي لازم من لوازم الايمان الحق، وليس الايمان الحق هو مجرد المعرفة وإذعان النفس، ليس هو ذلك الشعور القلبي الصامت الذي لا يتعدى الباطن إلى الظاهر، ولا يبدو شي ء من آثاره العملية التي تدل على انفعال صاحبه به، إنما المؤمن الحق هو من أدرك جمال الله وجلاله، وأدرك لطفه وإحسانه، وعلم علم اليقين أنه المنعم المفيض الذي لا إنعام إلا به، ولا فيض إلا منه، ثم انفعل بهذا الادراك فأحبه، فأصبح قلبه مشغولا به، وعمله موجهاً إليه ولذته وارتياحه في طاعته وعدم المخالفة عن أمره.
ذلك هو المحب، وذلك هو المؤمن، وآية ذلك أن الله تعالى ذكر الكافرين والمؤمنين فجعل حبه هو العلامة المميزة بين هؤلاء وهؤلاء إذ يقول: "و من الناس من يتخذ من دون الله أمداداً يحبونهم كحب الله، والذين آمنوا أشد حباً لله، و
ذكر الذين يتبدلون بدين الحق ما سواه ـ في آيتنا هذه ـ فقال: "يايها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتى الله بقوم يحبهم ويحبونه، فوضع الحب في موضع الايمان، ثم وصف هؤلاء الذين يحبهم ويحبونه بأوصاف هي أمارات هذه العلامة السامية القائمة بينهم وبينه، فقال: "أذلة على المؤمنين، أعزة على الكافرين، يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم".
و قد نعي الله على الذين يؤثرون الحياة الدنيا على الاخرة، فوصفهم بأنهم "يحبون العاجلة ويذرون وراءهم يوما ثقيلا" أي أنهم أحبوا الحياة الدنيا فآثروها، ولو أحبوا الله لآثروه، ومثل ذلك قوله تعالى: "كلا بل تحبون العالجلة وتذرون الاخرة".
وقد نفي الله الايمان عمن يوادون اعداء الله، أي يبادلونهم الحب، ولو كان بينهم من علاقات القربي، أدناها وأقواها، فقال: "لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم