/ صفحه 125/
بزوجه، علاقة الزميل بزميله، علاقة الشريك بشريكه، علاقة الجار بجاره... الخ وهذه العلاقات كلها إنما تبقي وتثمر وتكون مصدر سعادة لاصحابها; إذا استندت إلى المحبة، أما إذا تجردت منها فلا قيمة لها، ولا فائدة ترجي من ورائها، فالاخوة بدون المحبة ما هي الا مجرد قرابة، والزوجية بدون المحبة ما هي إلا مجرد معاشرة، والزمالة التي لا توطدها المحبة ما هي إلا مجرد مصاحبة... وهكذا.
و المجتمع أحوج إلى علاقة "المحبة" منه إلى أية علاقة سواها، فبها تكون الطمأنينة والأستقرار، وبها يكون اليسر والتسامح، وبها يكون التراحم والتعاون وبها ـ من أجل هذا كله ـ تكون السعادة والهناءة.
ولذلك يصف لنا القرآن الكريم المجتمع السعيد، وهو مجتمع أهل الايمان بأوصفاف ترجع إلى المحبة فيقول: "و المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض" "رحماءبينهم" "يحبون من هاجر إليهم، ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة" "يقولون ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان، ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا".
و يظهر عظيم المنة على المؤمنين بنعمة المحبة والالفة بينهم فيقول: "لو أنفقت ما في الارض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم" "واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا" أي بالمحبة والالفة "و كنتم على شفا حفرة من النار" أي بالتعادى والتفرق "فأنقذكم منها" كما يصف لنا حال أهل النعيم في دار الخلد فيقول: "و نزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين".
هذه هي المحبة في الله بين العباد والعباد، وقد أنبأنا الصادق الامين، صلوات الله وسلامه عليه وآله، أنها من صفات المؤمنين، وأنه لاخير فيمن حرمها، فقال: "المؤمن الف مألوف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف" كما أنبأنا بعظم منزلة المتحابين يوم القيامة، إذ يقول ـ وهو يعد السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ـ: "و رجلان تحابا في ا لله، اجتمعا على ذلك، وتفرقا عليه".