/ صفحه 100/
و لما مات صلي عليه صلاة لم يطل مثلها (1) وشيع جنازته حتى وقف على قبره، وقد قال له عمر حين أعطي له قميصه: لم تعطي قميصك هذا الرجس النجس؟ فقال: إن قميصي لن يغني عنه من الله شيئا فلعل الله يدخل به ألفاً في الإسلام. وقد تحقق ما أمله النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، لان المنافقين كانوا لا يفارقون عبدالله في مرضه، فلما رأوه يطلب هذا القميص ويرجوا أن ينفعه أسلم خلق كثير منهم، ولم يبق على النفاق إلا عدد قليل، ثم اختفي النفاق بعد هذا بفضل ذلك البر الذي رعي به النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)أولئك المنافقين.
ومن هذا كله نستطيع أن نحكم بأن بر النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)بالمخالفين كان عاما شاملا، فقد عامل به من خالفه وسالمه، ثم عامل به من خالفه وعاداه قبل هجرته إلى المدينة، ثم عامل به من خالفه وحاربه بعد هجرته إليها، ثم عامل به من أظهر له الإسلام من المنافقين وكان يناوئه في الخفاء ويدبر له الفتن والمؤامرات.
و لا غرو أن يكون هذا شأن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)مع اولئك المخالفين، فقد كانت رسالته رحمة للناس كافة، كما قال تعالى في الآية ـ 701 - من سورة الانبياء: "و ما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" فالعالمون هم الناس عامة من مؤمنين ومخالفين، وقد بعث (صلّى الله عليه وآله وسلّم)أو الناس في جاهلية وضلالة، وأهل الكتاب في حيرة من أمز دينهم، لطول مكثهم وانقطاع تواترهم، ووقوع الاختلاف في كتبهم، فبعث حين لم يكن لطالب الحق سبيل إلى الفوز والثواب، فدعاهم إلى الحق:
وبين لهم رحمة في الدين، وكذلك كان رحمة لهم في الدنيا، لانهم تخلصوا بسببه من كثير من الذل والقتال والحروب، حين كان جبابرة الملوك يعاملونهم كما يعامل الارقاء، ويسوقونهم إلى حروب آثمة لا تقف عند حد، ولا تنتهي إلى نهاية، ولا يقصد منها إلا استرقاق الشعوب واستعبادهم، فجاء الإسلام بابطال هذه الحروب، ودعاهم إلى الدخول فيه بالسلم، كما قال تعالى