/ صفحه 99/
الذي أرادوا، وإن أظهر الله عليهم دخلوا في الإسلام وافرين، وإن لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوة، فما تظن قريش؟ فوالله لا
أزال أجاهد على الذي بعثني الله به حتى يظهره الله، أو تنفرد هذه السالفة:
فقوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (يا ويح قريش، لقد أكلتهم الحرب) يدل أكبر دلالة على أنه لم يكن يحاربهم عن عداوة لهم، ولا عن إرادة انتقام منهم، بل كان يحاربهم وهو كاره لهذه الحرب، لانه يقتل فيها أرحاما يعز عليه تقتيلها وإن كانت ظالمة، ولا يضمر لها إلا حب الخير، ولا يريد لها إلا السعادة والهناءة، ولا تجتمع هذه النيّة لهم في قلب يضمر عداوتهم، لان القلب العامر بحب الخير للمخالفين لا يعرف العداوة التي تمنعه من حب الخير لهم، فلم يكن شأن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)معهم إلا كما قال الشاعر:
أريد حياته ويريد قتلي * * * عذيرك من خليلك من مراد
و قد بر النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)بهم هنا أعظم بر، وحنا عليهم أعظم حنو، فلم يزل يلين لهم حتى رضوا بعقد صلح معه، وكان صلحاً فيه نفع كثير لهم، وفيه غبن كثير للمسلمين، ولكنه ضمن عليهم بالقتل، لان قلبه عامر بحب الخير لهم، ولا يزال يطمع في إيمانهم.
ثم ضرب النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)مثلا ثالثاً في بر المخالفين، وهذا مع المنافقين الذين كانوا يخفون الكفر ويظهرون الإسلام، فكان يقبل منهم ظاهر هم ويتغاضي عما يحصل منهم من الكيد للمسلمين في السر، فيقابله بالاغضاء والصفح، ولا ينقطع عن برهم ومودتهم، ليقتلع من قلوبهم جذور النفاق بالحسني، لان الصفح عن المسي ء أقوى في إقلاعه عن إساءته من مقابلته بمثلها، وقد كان رئيسهم عبدالله بن أبى بن سلول أكثر إساءة للمسلمين، فكان ا لنبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)يقابل عقوقه بالبر، ويقابل إساءته بالصفح ويقابل ما يضمره من العداوة بإظهار المودة، فلما مرض عبدالله عاده (صلّى الله عليه وآله وسلّم)في مرضه، فطلب منه أن يصلى عليه ويقوم على قبره، ثم أرسل إليه يطلب منه قميصه ليكفن فيه، فأرسله إليه،