/ صفحة 84/
وهو رئيس المحكمة الشرعية الجعفرية العليا ببيروت انه يرى - كما يتبين من موافقته على النص الذي نقله - أنه لا يجب التدين بقول الرسول فيما صدر عنه لا باعتباره شارعا مبلغا عن الله، وضرب مثلا لذلك ما جاء في أحاديثه عن خلق السموات والأرض ونحو ذلك من أمور الآخرة.
ونحن لا ندرى أن مهمة الرسول عليه الصلاة والسلام كانت شيئاً آخر غير البلاغ عن رب العالمين، ما دمنا نصدق بأنه رسول! أليس الله يقول في قرآنه الكريم مخاطبا رسوله الأعظم: ((ان عليك الا البلاغ)) ، ويقول: انا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا)) !
على أن هذه التفرقة التي يزعمها بين تصرفات الرسول حسب أوصافه المتعددة أو بين شخصياته كما جرى على قلم بعض العلماء المعاصرين، ثم يرتب عليها أنه لا يجب التدين ببعض ما جاء عنه، ((حتى بعد العلم بصدوره عنه)) - هذه التفرقة قد يستطيع الباحث إرجاعها إلى الإمام شهاب الدين القوافي المتوفي عام 723 هـ، عند ما تكلم في الفرق السادس والثلاثين بين قاعدة تصرف الرسول بالقضاء وتصرفه بالفتوى وهي التبليغ وبين قاعدة تصرفه بالإمامة (صلّى الله عليه وآله وسلّم).(1)
لكن الإمام القرافي كان أعلم بالدين والرسول ورسالته من أن يذهب إلى شيء مما يريد هؤلاء ونظن أن مثل الأستاذ الشيخ محمد جواد مغنيه في منصبه، لم يفته ما أراد صاحب كتاب الفروق، غير أننا كنا نود - لو كان يعتمد عليه - أن يبسطه للناس على وجهه فإن ما ذكره الإمام القرافي، حين نفهمه حق الفهم، أن كل ما جاء عن الرسول من أحكام وآراء - على أي وصف أو صفة كان هذا الحكم أو ذاك - هو شريعة وأحكام دينية ملزمة للأمة جميعا بصفة دائمة.
ومن العجب أن يضرب المثل بخلق السموات والأرض وأحوال الدار الآخرة لما لا يجب التدين به من أقوال الرسول وان علمنا بصدوره عنه، لأن ذلك لا دخل له بشريعة سيد المرسلين! ان مهمة الرسل الذين اصطفاهم الله من خلقه لإخراج الناس من الظلمات إلى النور، تقوم - أول ما تقوم - على إثبات وحدانية الله تعالى ووجود الدار الآخرة وتفهيم من أرسلوا إليهم شيئا من أحوال هذه
ــــــــــ
(1) راجع ج 1: 252-249 من كتاب (الفروق).