/ صفحة 83/
على وجه آخر يتفق مع ما صار إليه الإسلام والمسلمون من القوة والعزة.(1)
ومسألة إسقاط حد السرقة عام المجاعة، تأويلها وفهمها أيسر كثيراً، ان النسخ كما هو معروف إزالة حكم بآخر بصفة دائمة، وهنا لم يعفل أمير المؤمنين ابن الخطاب الا أن راعى الضرورة التي تبيح المحظور كما هو معروف، فأوقف حد السرقة هذا العام عمن لجأ إليها مضطرا صوناً لحياته، كما يلجأ المضطر لشرب الخمر وأكل لحم الخنزير حال الضرورة فقط وبقدر ما يحفظ حياته،أما في حال السعة فليس له أن يقارف شيئا من ذلك. ولو كان عمر أراد بما صنع، حال الضرورة، أن يكون ذلك نسخا لحد السرقة، لما رأينا هذا الحكم يطبق بعد عام المجاعة المعروف.
أين هذا الذي كان من أمير المؤمنين ابن الخطاب، في هاتين المسألتين، مما يذهب إليه هؤلاء الناس من القدماء والمحدثين والمعاصرين من تجويز نسخ القرآن تبعا للمصلحة بعد عهد النبوة! وبخاصة الأستاذ اللبابيدى الذي يذهب في هذا مذهبا عجبا; إذ يرى أن القرآن قد نص على أن الأُمة وحدها هي مصدر السيادة في التشريع وليس الله، وأن الله كان المشرع ابتداء ثم غدا التشريع للأمة أنتها، لأنه رد هذه السلطة إلى الأُمة! وليس لأحد مهما كان ميله مع الهوى أن يزعم أن له سندا على شيء من ذلك من قوله تعالى: ((و أمرهم شورى بينهم)) كما يقول، فهذه الآية تقرر أن حكم المسلمين لأنفسهم يجب أن يكون على الشورى، لا على الاستبداد; أما التشريع فهو لله ولرسوله أولا، ثم يكون الاجتهاد فيما ليس فيه نص صحيح ثابت.
ولعل من نافلة القول التدليل على هذا الذي نقول من القرآن، فهو أمر يدهي لا يحتاج لدليل. ولكن، نشير مع ذلك إلى قوله تعالى: ((يبين الله لكم أن تضلوا)) ، وقوله: ((و ما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله)) وقوله: ((و ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)) ، وقوله: ((من يطع الرسول فقد أطاع الله)) ، وقوله: ((تلك حدود الله فلا تعتدوها)) .
4- وبعد مناقشة الكاتب السنّي، نصل إلى مناقشة العالم الشيعي الإمامي

ــــــــــ
(1) راجع ج 2: 15، من قتح القدير وشرح العناية على هامشه.