/ صفحة 422/
ولله صعلوك صفيحة وجهه *** كضوء شهاب القابس المتنور
وقد روى الاخفش عن ثعلب عن ابن الاعرابى قال: حدثنى أبو فقعس قال: كان عروة بن الورداذا أصابت الناس سنة شديدة تركوا في دارهم المريض والكبير والضعيف، وكان عروة بن الورد يجمع أشباه هؤلاء من دون الناس من عشيرته في الشدة، ثم يحفر لهم الاسراب، ويكنف عليهم الكنف، ويكسيهم، ومن قوى منهم - اما مريض يبرأ من مرضه أو ضعيف تئوب قوته - خرج، به معه فأغار، وجعل لاصحابه الباقين في ذلك نصيباً، حتى إذا أخصب الناس وألينوا وذهبت السنة ألحق كل انسان بأهله، وقسم له نصيبه من غنيمة ان كانوا غنموها، قربما أتى الإنسان منهم أهله وقد استغنى، وضاقت حال عروة في بعض السنين فقال:
لعل ارتيادى في البلاد وبغيتى *** وشدى حيازيم المطية بالرحل
سيدفعنى يوماً إلى رب هجمة(1) *** يدافع عنها بالعقوق وبالبخل
فزعموا أن الله قيض له في شتاء شديد ناقتين دهماوين، فنحر لعشيرته احداهما، وحمل متاعهم وضعفاءهم على الاخرى، وجعل يتنقل بهم من مكان إلى مكان، إلى أن نزل بهم بموضع يقال له ماوان، فقيض الله له رجلا صاحب مائة من الابل، قد فر بها من حقوق قومه، وذلك أول ما ألين الناس، فقتله وأخذ ابله وامرأته، وكانت من أحسن النساء، فأتى بالابل أصحاب الكنيف فحلبها لهم، وحملهم عليها، حتى إذا دنوا من عشيرتهم أقبل يقسمها بينهم، وأخذ مثل نصيب أحدهم.
وانه لجميل من عروة أن يعنى بالمريض والكبير والضعيف، وأن يسعى لهم فيما يقوم بحاجاتهم، ولكنه لا يحمد له أن يكون سعيه لهم بالتلصص والسطو على أموال الناس، فمثل هذا هو الذي أضعف أمر العرب قبل الإسلام، ونشر الجوع

ــــــــــ
(1) الهجمة: المائة من الابل.