/ صفحة 423/
والخوف بينهم، فقل ما لهم، وانتشر الفقر بينهم، لانهم لم يهتدوا إلى طرق الكسب الحلال، وهي الطرق التي تزيد في ثروتهم، وتنشر الغنى بين أفرادهم.
وإذا كان لعروة وأمثاله بطولة في ذلك الغزو والنهب، فهى بطولة زائفة لا قيمة لها، ولا يصح أن تعد بطولة ترفع من قيمة صاحبها، ولكن جهل العرب بمقاييس البطولة الصحيحة قبل الإسلام، هو الذي أوقعهم في الاعتداد بتلك البطولة الزائفة، وجلعهم يشيدون في شعرهم بذلك المجد الزائف، حتى كان من عبدالله بن الزبعرى أن عاب على قومه قريش اشتغالهم بالتجارة، وهي طريق من طرق الكسب الحلال، وركن من أركان الحضارة بين الامم المتمدينة، ولم يحمله على هذا الا أن التجارة جعلتهم يؤثرون حياة السلم، ويجعلون حرمهم مكان أمن، فلم يكن بينهم أبطال رائفون مثل أبطال القبائل التي اعتمدت على الغزو في كسب العيش، لتخرب ولا تعمر، وتهدم ولا تبنى، وتنشر الفساد في البر والبحر، وليس وراء ذلك الا الهلاك المستأصل، والخراب الذي لايبقى ولا يذر.
وإذا كانت تلك البطولة الزائفة قد وجدت كثيراً من الناس يعجبون بها بعد الإسلام، حتى روى أن ابن معاوية قال: لو كان لعروة بن الورد ولد لاحببت أن أتزوج إليهم، فانه ليعد من آيات القرآن أن يسلك - فيما امتازت به قريش على غيرها - الطريق الصحيح، فينوه بتجارتها ذلك التنوية، بينما كان العرب من أقصى الجزيرة إلى أدناها ينأون عنها، ويعتمدون في الكسب على وسائل غيرها تلائم طبيعتهم، المخيفة، وتناسب صحراءهم الموحشة، ولكنه كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.