/ صفحة 409/
لا يتحدث في لغة العصر عن حقيقته، بل عن كرامته، فيقول مثلا: ان هذا العمل أو ذاك يجرح كرامتى، وأنا لا أقبل أن تمس كرامتى، أنا أحافظ على كرامتى الخ،
ان حماية الحقيقة معنى ولفظ أتى عليهما الدهر، فليس من شأنك الآن أن نحمى حقيقتك أو تحفظ كرامتك.. انه شأن الدولة والقانون.
فما عليك الا أن ترفع الأمر إلى القضاء، وهو الكفيل أن يحق الحق ويبطل الباطل.... أنت تتقاضى فيقضى لك بالتعويض، ويقضى على المعتدى عليك أن يدفع لك بالتى هي أحسن، أو بالتى هي أسوأ، ما تدينه به جزاء العدوان عليك ثم هو قبل هذا أو بعده معاقب بالحبس أو السجن أو الاعدام.
ان الإنسان في عالمنا الحديث معفى من كثير مما كان يتحمله في العالم القديم وليس له مهما تكن الظروف والملابسات أن يقتضى حقه بيمينه أو بيساره.
ألم تقرءوا ((العقد الاجتماعى)) لمؤلفة الشهير ((جان جاك رسو)) ان في هذا الكتاب لعرضاً بليغاً ليحاة بني آدم على هذه الأرض أيام كان كل يحمل تبعاته فيقتضى حقه، ويدفع العدوان عن نفسه، فكانت ((الفردية)) في أتم صورها، وكان المجتمع البشرى غير قائم أو قائماً كغير قائم، لا يمثل ولا يعبر عنه، فلا غرو يمل الناس من طول ما ما رسوا هذه الحرية المطلقة التي زادت على الحد، فانقلبت إلى الضد، وصارت إلى ما يشبه العبودية، وكذلك تحتم عليهم الحياة أن يحتموا ويتفقوا على أن ينزل كل انسان عن حريته للمجتمع فيتولى هو شئون أفراده فتنشأ الدولة بسلطانها القضائية والتنفيذية والتشريعية، فهى هي صاحبة الأمر والنهى وحماية الحقيقة ان شئتم ألا نخرج عما نحن فيه.
قال: رويدك بعض غلوائك الببغائية، فأنت تكرر ما قرأت أو شيئاً منه، وما عرف مجتمع النمل أو النحل - بله مجتمع بني الإنسان - هذه الفردية الخرافية ((الجانجاكية الروسية)) ، ولا بلغت الدولة في أتم سلطانها هذا المبلغ الذي يلغى نشاط الفرد هذا الالغاء الشامل، والا فقيم الاحكام التشريعية الخاصة بالاعذار والمسامحات القانونية؟ أو إذا وقع اعتداء على نفسك أو مالك أو على نفوس من ترعاهم أو على أموالهم تنتظر حتى تجىء القضاء أو يجيئك معوضاً ومنتقماً؟