/ صفحة 401/
ثم تنفيذها بحيث تصبح جريمة تامة، ثم التحقيق بالبحث والتدقيق، واستلهام الواقع حقيقة الحال، كل ذلك منصوص عليه في القرآن في كثير من السور والايات، ولعل في سورة يوسف جماع هذه الأُمور. فعند ما حنق عليه اخوته وفكروا في التخلص منه بقتله ليخلولهم وجه أبيهم، وأجمعوا أمرهم على ذلك، أليس هذا هو الاتفاق الجنائى، وهو جرمٌ استحدث أخيراً في قانون العقوبات المصرى، بعد الاعتداء على بطرس غالى باشا، والذي دعا المشرّع إلى ذلك أنه وجد أن نصوص قانون العقوبات قاصرة عن أن تنال من يتفقون على ارتكاب جريمة ما وكشف أمرهم قبل أن يبدوا بالتنفيذ، ثم تكلفت سورة يوسف بعد ذلك بسرد باقي الواقعات، وكيف شرع اخوته في ارتكاب جريمتهم فاستأذنوا أباهم في أن يسمح ليوسف بمرافقتهم في رحلتهم إلى البادية ليرتع ويلعب، فلما خلوا به نقذوا الجريمة فألقوه في غيابة الجب، ثم عادوا إلى أبيهم يتباكون ويدّعون أن الذئب أكل يوسف، فلا يأخذ الوالد الملتاع قولهم قضية مسلمة، بل يقبل على قميص ولده بفحص ما به من دم، وسرعان ما تبين كذب هذا الادعاء حيث وجد القميص سليما ليس به أثر للتمزق ولا موضع به لاختراق أنياب الذئب إلى جسد يوسف حيث يمكن أن يتفجر الدم فيصيب القميص بلوثاته، فأيقن أن الأمر مكذوب، وأنهم قد سولت لهم أنفسهم أمراً، فاستسلم لقضاء الله، واستعان به على الصبر، وتجرى آيات السورة بهذا الخبر تقول: ((و جاءوا أباهم عشاء يبكون قالوا يا أبانا انا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين، وجاءوا على قميصه بدم كذب، قال بل سوّلت لكم أنفسكم أمراً فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون)) .
ومن أبرز الأدلة الجنائية أيضاً قميص يوسف مع امرأة العزيز: راودته عن نفسه واعتصم وتسابقاً إلى الباب هو يريد الخروج، وهي تريد أن توصده لتبلغ مشتهاها منه، فوجدا العزيز بالباب يريد الدخول، فوجئت الزوجة برؤيته، وهداها شيطانها إلى اتهام يوسف بأنه أراد بها سوءاً، وأنها أبت عليه