/ صفحة 382/
قوم بما سبق إليهم وأتوا به من اختلاف الناس، فدع الناس وما اختار أهل كل بلد منهم لانفسهم)) .
في هذا التعليل الواضح تكمن نظرية التقريب القائمة على عدم الدعوة إلى الاندماج المذهبى، وفي الفقرة الاخيرة من عبارة هذا الامام الجليل - وهي قوله: ((فدع الناس وما اختار أهل كل بلد منهم لانفسهم)) - في هذه الفقرة تعبير عن الاسلوب الصحيح الذي يجب أن نسلكه للتقريب بين المسلمين، فللناس أن يحتفظوا بما عندهم من العلم، ولهم أن يرجحوا ما شرح الله له صدورهم من الافهام والروايات ما داموا مؤمنين بأصول دينهم ومصادر تشريعهم، غير خارجين على كتاب ربهم وسنة نبيهم، ولا مشاقين للهدى من بعد ما تبين لهم، ولا متعبين غير سبيل المؤمنين، وبعد هذا يجب أن يعذر كل فريق أصحابه، كما كان سلفنا الصالح يفعلون، يجب أن يذكروا أن الخلاف الحر الشريف لا يفسد قضية الود والتعاون بين الاخ واخوانه.
ان مالكاً حين أشار على صاحبه أن يدع الناس وما اختاروا لانفسهم، لم يشر عليه بذلك، لأنه لا يعتد بأمرالمسلمين، ولا يعبأ بهم، ولم يشر عليه بذلك، لأنه ضن عليهم بأمر يعلم فيه صلاحهم ولكنه أشار عليه بذلك لأنه هو الخير كل الخير، وهو الموافق لما أراده الله عز شأنه حين وضع شريعته هذا الوضع الحكيم الرحيم، ولا يعقل أن يكون مالك قد أراد من ترك الناس وما اختاروا ان يتعصبوا لما عندهم، وأن يحتربوا عليه فيما بينهم، وأن يقطعوا في سبيل التعصب له ما أمر الله به أن يوصل من أخوة الايمان، وتعاون الإسلام.
* * *
ولم ينفرد مالك رضي الله عنه بالنهى عن اتباعه في كل ما قال به، والغاء ما سواه، فقد حدثنا التاريخ عن سائر الائمة بمثل ما حدثنا به عن مالك:
فأبو حنيفة رضي الله عنه، كان يقول: ((لاينبغى لمن لم يعرف دليلى أن يفتى