/ صفحة 365/
المظالم المتتابعة، ولم تر الشعوب في تلك العصور المظلمة سوى الجهل والفقر والاعتداءات والموت، فاندثرت الحضارات من علوم وفنون وفلسفة وضاع التراث الضخم الذي جاء به المصلحون في الاجيال الغابرة.
ثم أتت على العالم عصور تدعى بالعصور الوسطى كانت بعد قيام الامبراطورية الرومانية الشرقية، وفيها اشتدت سلطة رجال الدين، كمااشتدت سلطة الامراء والحكام والملوك، ولم يكن لهؤلاء وأولئك وازع من دين أو من ضمير أو خلق.
كان الظلم في ايطالياكما كان في ألمانيا وفرنسا وانجلترا وغيرها من بلاد الغرب كما كان في الشرق، لكن بقاء هذه الحالة الشاذة لم يكن ليحتمل، فضجت الإنسانية وبدأ شعاع من نور الحرية ينبثق في أنحاء متفرقة من أوروبا، وأصبح ما يتهامس به بعض ذوى النفوس الابية حقيقة ظاهرة في انجلترا، فلقد اشتد ظلم طاغية من ملوكها، فقامت هيئة قوامها نبلاء انجلترا أي الاستقراطيون بحركة تحريرية ضد الظلم والاستبداد، كان من آثارها أن اضطر الملك إلى اصدار ما يسمونه ((بالميثاق الاكبر)) في سنة 1215 م وهو أول ميثاق وأعظمه في تاريخ تحرير انجلترا من بطش الملوك الظالمين. ثم صدر بعده قانون اكسفورد عام 1258 م وقد كان الميثاق الاكبر هذا أساساً لنظلم الحرية السياسية في انجلترا.
كان لهذا الميثاق وما تبعه من قوانين وأوامر أثره في البلاد الاخرى، وقام المصلحون الاحرار في أجيال متعاقبة يرشدون شعوبهم إلى سبل الحرية والى تشريعاتها الصحيحة، وكان من هولاء الاحرار المشرع الفرنسى ((مونتسكيو)) ومن مؤلفاته كتاب ((روح القوانين)) وجون لوك الانجليزى، ورجل من أبطال الحرية ودعاتها هو ((چان چاك روسو)) الفرنسى أصدر كتابه ((العقد الاجتماعى)) وغيره من المؤلفات، كما ظهر غيرهم من رجال السياسة والاقتصاد والاجتماع، إلى أن قامت الثورة الفرنسية الكبرى سنة 1789 م، فحطمت الاغلال، ونشرت مبادىء الحرية والاخاء والمساواة، ثم تبعتها ثورات أخرى في أوربا تسعى إلى الحرية، والى نشر لواء العدل بين الناس.