/ صفحة 356/
ما يرشد إلى عاقبة الكافرين الذين لم يعتمدوا فى تهذيب نفوسهم، واصلاح حالهم على ما رسمه الله للمؤمنين فى هذا النداء، بل أطلقوا لانفسهم العنان تسبح وراء الشهوات والاهواء إلى أن يعاينوا ما أعد لهم من عاقبة سيئة، يحاولون التخلص منها بأعظم ما يمكن أن يقدمه المحرج سبيلا للخروج من المأزق الذي وقع فيه.
لهذا النداء مكانة خاصة على ما قبله وما بعده من نداءات السورة:
وإذا قورن هذا النداء بغيره من النداءات التى وردت فى هذه السورة، فانه يظهر له مكانة خاصة تأخذ به عن مستوى النداءات كلها، وتجعل له شأناً جديراً بالعناية والتقدير، ذلك أن النداءات السابقة عليه واللاحقة له يتعلق كل واحد منها بناحية معينة من نواحى التشريع، فالنداء الأول يطلب الوفاء بالعقود، والنداء الثانى يطلب المحافظة على شعائر الله وعدم احلالها، والنداء الثالث يطلب الطهارة حين ارادة الصلاة، والنداء الرابع يطلب القوامة لله، والشهادة بالعدل، ويحذر الظلم، والنداء الخامس يطلب تذكر نعمة الله على المؤمنين بكف أيدى الاعداء عنهم. والنداء السابع يحذر من التخاذ الاعداء أولياء من دون المؤمنين، وفى معناه النداء الثامن، يلفت نظر المؤمنين إلى أن المسارعة فى موالاة الاعداء ردة عن الدين، ثم يجيىء التاسع بلون آخر يدعو إلى شدة الحذر من موالاتهم ((لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزواً ولعباً من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء)) والنداء العاشر ينكر تحريم الطيبات التى أحلها الله، ويحرم الحادى عشر الخمر والميسر، ويتعلق الثانى عشر والثالث عشر بتحريم قتل الصيد الذي ابتلى الله المؤمنين بالتمكن منه فى حالة الاحرام. ويتعلق الرابع عشر بالنهى عن سؤال ما ترك الله بيان حكمة توسعة على عباده، كما يتعلق الخامس عشر بتحديد مدى المسئولية التى يحملها المؤمنون فى الدعوة إلى الخير، والامر بالمعروف، والنهى عن المنكر، ويتعلق السادس عشر بكيفية الشهادة على الوصية فى حالة السفر.
من هذا العرض الوجيز يتبين أن جميع النداءات الواردة فى السورة، خلا النداء السادس يتعلق بشأن خاص.