/ صفحة 342/
فهل هذا هو الصبر الذي يعرفه القرآن؟ وهل يمكن أن يكون الله تعالى قد أراد هذا المعنى حين أمر عباده بالصبر وأثنى عليه، ورغب فيه، وضمن حسن عاقبة، وأعلن أنه يحب أهله، وأنه سيوفيهم أجورهم بغير حساب... اخ.
لاورب البيت! فما كان الصبر الذي يعرفه القرآن، ويأمر به منزّل القرآن الا خلقاً عملياً يهدى إلى الاعمال الصالحة، وتقوى به النفوس المؤمنة.
ان الصبر حقاً هو مجاهدة النفس وحبسها عن الضجر والتبرم، ولكن مع اطراد العمل والسعى وعدم الانكماش والانكسار، ولذلك كان الصبر هو المعنى الباطن فى كثير من الاخلاق العملية، والصفات الايجابية، وان عبر عنها بأسماء أخرى: فالشجاعة هي الصبر على مكاره الجهاد، والجود هو الصبر على بذل المال والمعروف، والكتمان هو الصبر على المثيرات والمحفظات. وهكذا.
ان الإنسان بالصبر يكون شبيها بالالة القوية المتينة الصنع، الاصيلة فى مادتها وتركيبها، إذا اعتراها خلل لم تسارع بالوقوف والتعطل، ولكنها تقاوم بقوتها، وتستمر فى عملها، وتحتمل، أما تلك الالة الضعيفة الخفيفة الضئيلة الرخيصة التى تتعطل لاوهى الاسباب، وتقف عند أول احتكاك، فما أشد تفاهتها،و ما أشبهها بذلك الإنسان المترف الناعم الذي لايعلم ولا يثمر الا إذا كانت الحياة على ما يحب من الاستفامة والاطراد، وهيهات أن تستقيم الحياة أو تطرد على ما يحب الناس، ولو كانوا من الانبياء المرسلين، أو من الاتقياء الصالحين.
وقد قص الله علينا قصة داود وجالوت حين احترباً، وكان جالوت على الباطل، وداود على الحق، فلما رأى أصحاب داود ما عليه جالوت وأصحابه من القوة والكثرة، وقال قائل منهم ((لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده، قال الذين يظنون أنهم ملاقو الله)) - وهم الصابرون على أمر الله، الماضون لما ندبهم إليه - ((كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة باذن الله، والله مع الصابرين)) .
لم تهلهم الكثرة الساحقة، ولم تذهلهم القوة التى تبدو ما حقة، ولم يتعللوا بعدم التكافؤ فيعودوا من حيث أتوا، ناكصين على أعقابهم، ملتوين عن قصدهم،