/ صفحة 321/
فردهم رداً عنيفاً لائماً لهم على تفرغهم لمثل هذا، على حين كانت مصر قد فتحت وقتلت فيها شيعة على.
وكتب على كتاباً يذكر فيه ما صارت إليه الأُمور بعد تخاذل أهل العراق وأمر أن يقرأ هذا الكتاب على الناس لينتفعوا به.
قال البلاذرى: وكانت عند ابن سبأ منه نسخة صرفها، وابن سبأ عند البلاذرى ليس ابن السوداء وإنّما هو عبدالله بن وهب الهمدانى.
والبلاذرى يروى هذا الخبر كله متحفظاً متوخياً للصدق ما استطاع، وهو كثيراً ما يروى بعض الاحاديث ثم يعقب عليها بما يظهر الشك فيها، لانها من اختراع أهل العراق.
والواقع أن الخصومة بين الشيعة وأهل الجماعة قد اتخذت ألواناً من الجدل والاذاعة ونشر الدعوة بعد أن استقام الأمر لبنى العباس، كثر فيها المكر والكيد والاختراع، بحيث يجب على المؤرخ المنصف أن يحتاط أشد الاحتياط حين يصور هذه الفتن فى عهدها الأول. وأى شيء أيسر من أن يكذب أهل الشام على أهل العراق، ومن أن يكذب أهل العراق على أهل الشام، ولا سيما بعد أن يمضى الزمن ويبعد العهد، ويصبح التحقق من الوقائع الصحيحة عسيراً.
والذين استباحوا لانفسهم أن يضعوا الاحاديث على النبي وأصحابه لا يتحرجون من أن يستبيحوا لانفسهم وضع الاخبار على أهل الشام والعراق ومؤرخ هذا العصر الذي نحاول تصويره ممتحن أعسر الامتحان وأشقه من ناحيتين:
احداهما ناحية القصّاص الذين كانوا يتحدثون بأمر الفتن فى البصرة والكوفة فيرسلون خيالهم على سجيته ويتعصبون للقبائل المختلفة من العرب، ولعلهم كانوا يأخذون المال من أولئك وهؤلاء ليحسنوا ذكرهم ويعظموا أمرهم ويذكروا لهم من المآثر ما كان وما لم يكن، ويرووا فى هذه المآثر من الشعر ما قيل وما لم يقل. ولذلك كان كل الناس شعراء يوم الجمل ويوم صفين، ولذلك رويت الاخبار التى لا تستقيم فى العقل.