/ صفحة 322/
فذلك الفتى الذي أمره على برفع المصحف لاهل البصرة يوم الجمل، يأخذ المصحف بيمينه، فإذا قطعت أخذه بشماله، فإذا قطعت أخذه بأسنانه أو، بمنكبيه حتى يقتل.
ورجل آخر يصرع وتصيبه ضربة قاتلة فينشد الشعر وهو محتضر يذمّ به هذا ويمدح به ذاك; إلى غير ذلك من الاخبار والاشعار التى يظهر فيها التكلف والاختراع.
والناحية الثانية هي ما كان من أصحاب الجدل، ومن أولئك الذين أمدوهم بالاخبار والاحاديث يؤيدون بها مذاهبهم وآرائهم. ويزداد الأمر فى هذه الناحية تعقيداً وعسراً لأنه يتصل بالدين، فالجدال بين الفرق لم يكن عند القدماء جدالا فى أمور الدنيا، وإنّما كان جدالا فى أصول الدين وفيما ينبنى عليها من الفروع. فكان من اليسير ان يتهم المجادلون خصومهم بالكفر والفسق والزندقة الالحاد، وان يشنعوا عليهم ماشاء الله مما يصح لهم من الحديث والسير، وما يبتكر لهم ابتكاراً.
ومهما يكن من شيء فالبلاذرى لا يذكر ابن السوداء واصحابه فى شيء من الفتنة أيام عثمان وايام على. والطبرى ورواته الذين اخذ عنهم والمؤرخون الذين أخذوا عنه فيما بعد، يذكرون ابن السوداء وأصحابه فى أمر الفتنة أيام عثمان وفى العام الأول من أيام على، ثم ينسونهم بعد ذلك، والمحدثون وأصحاب الجدل متفقون مع الطبرى وأصحابه فيما ذهبوا إليه. الا أن المحدثين وأصحاب الجدل ينفردون من دون الطبرى وأصحابه بشيء آخر، فيزعمون ان ابن السوداء وأتباعه ألّهوا عليا وأن عليا حرّقهم بالنار، ولكنك تبحث عن هذا فى كتب التاريخ فلا تجدله ذكراً، فلسنا نعرف فى أي عام من أعوام الخلافة القصيرة التى وليها على كانت فتنة هؤلاء الغلاة، وليس تحريق جماعة من الناس بالنار فى الصدر الأول للاسلام، وبين جماعة من أصحاب النبي ومن صلحاء المسلمين، بالشىء الذي يغفل عنه المؤرخون فلا يذكرونه ولا يوقتونه، وإنّما يهملونه اهمالا تاما.