/ صفحة 320/
والنيل منهم ولو قد كان أمر ابن السوداء مستنداً إلى أساس من الحق والتاريخ الصحيح لكان من الطبيعى أن يظهر أثره وكيده فى هذه الحرب المعقدة المعضلة التى كانت بصفين، ولكان من الطبيعى أن يظهر أثره حين اختلف أصحاب علىّ فى أمر الحكومة، ولكان من الطبيعى بنوع خاص أن يظهر أثره فى تكوين هذا الحزب الجديد الذي كان يكره الصلح وينفر منه ويكفّر من مال إليه أو شارك فيه.
ولكنا لا نرى لابن السوداء ذكراً فى أمر الخوارج. فكيف يمكن تعليل هذا الاهمال، أو كيف يمكن أن نعلل غياب ابن سبأ عن وقعة صفين وعن نشأة حزب المحكمة.
أما أنا فلا أعلل الامرين الا بعلة واحدة، وهى أن ابن السوداء لم يكن الا وهما، وان وجد بالفعل فلم يكن ذا خطر كالذى صوره المؤرخون وصوروا نشاطه أيام عثمان وفى العام الأول من خلافة على، وإنّما هو شخص ادّخره خصوم الشيعة للشيعة وحدهم ولم يدخروه للخوارج لأن الخوارج لم يكونوا من الجماعة ولم يكن لهم مطمع فى الخلافة ولا فى الملك، وإنّما كانوا قوماً يثورون بكل خلافة وينتقضون على كل ملك، ويحاربون الخلفاء والملوك ما وجدوا إلى حربهم سبيلا، ثم هم لم يكونوا حزباً باقياً متصلا عظيم الخطر ولا سيما بعد أن انقضى عصر بنى أمية، وإنّما ضعف أمرهم وفل حدهم بعد أن تقدم الزمان بدولة بنى العباس، وبقى مذهبهم معروفاً بين المتكلمين، ولكنه اتخذ فى الحياة العملية أطواراً مختلفة قد نعرض لها فى غير هذا الجزء من هذا الكتاب.
فلم يكونوا اداً حزباً تحتاج خصومته إلى الجدال الشديد المتكلف الذي يبغّضهم إلى الناس ويزهد فيهم أصحاب التقى والورع، كما كان أمر الشيعة الذين ظلوا ينازعون الملوك والخلفاء سياسة المسلمين إلى الآن.
أما البلاذرى فقد رأينا فيما سبق من هذا الكتاب أنه لم يذكر ابن السوداء ولا أصحابه السبئية فى أمر عثمان، وهو كذلك لم يذكره فى أمر علىّ الا مرة واحدة فى أمر غير ذى خطر، إذ جاء علياً مع آخرين يسألونه عن أبي بكر