/ صفحة 286/
يهتف به أو يصاح به، فإن أفاقا معاً كان له ميراث واحد، وأن أفاقا (انتبها) الواحد بعد الاخر كان لهذا المولود ميراث اثنين.
(و) قواعد الاثبات فى المسائل المدنية، مقارنة بمثيلتها فى الشريعة الإسلامية
من أدق المسائل القانونية فى القوانين الحديثة قواعد الاثبات، وهى الطرق التى يثبت بها صاحب الحق حقه إذا ما لجأ للقضاء، والقرآن يوجب على الناس الانصاف والعدل، ولكن النفوس البشرية بما جبلت عليه من طمع إلى حب للمال إلى شره إلى أثرة إلى نسيان إلى رغبة فى الانتقام جعلت الحقوق متنازعا عليها، فعمدت جميع القوانين الوضعية إلى تحديد القواعد والقرائن التى تثبت بها الحقوق أمام القضاء، ولا مراء فى أن الكتابة عند الخلف على الحق هي أقوى الأدلة، ولو لجاً إليها كل الناس لضاقت شقة الخلف بينهم ويظن البعض أن تقدم الحضارة وكثرة المصالح والحقوق وتشابكها يحول دون ذلك، وتحض الشريعة الإسلامية على اتخاذ الكتابة طريقاً رئيسيا للاثبات، اللهم الا إذا دعت الضرورة لغير ذلك.
واليك قواعد الاثبات فى المسائل المدنية بالشريعة الإسلامية نقلا عن القرآن وقد بلغت من الدقة والاحكام حداً لم تبلغه أحدث الشرائع الوضعية، وجماع هذه القواعد وارد فى آية واحدة من سورة البقرة وهى الآية 282: ((يأيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه)) ، ثم انظر بعد ذلك إلى منتهى الحيطة والحذر فى قول الآية ((و ليكتب بينكم كاتب بالعدل)) وهذا ندب فى أن لا تكون الكتابة بوساطة أحد العاقدين إذ الافضل أن يتولاها غيرهما حتى لا يظلم أحدهما الاخر أو يدخل عليه الغش فى كلمة ملتوية أو عبارة تحمل معنيين، ولذا أوجبت الآية على كل من يطلب للكتابة أن يلبى، فقالت: ((و لا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب)) ثم ذهبت الآية إلى أبعد من ذلك فى الحيطة والحذر فقالت ((و ليملل الذي عليه الحق)) خشية أن يملى الذي له الحق فيزيد فيه شيئاً فيستخزى المدين ان يعارضه أو قد ترعمه حاجته إلى الدين