/ صفحة 287/
إلى الرضوخ والقبول على كره. ثم قيدت الآية المدين الذي سيقوم بالاملاء بقيود الحق والعدل وخشية الله فقالت ((و ليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئاً)) ولكن ما الحيلة إذا كان الذي عليه الحق وهو الذي ندب للاملاء غير أهل للتعامل أو غير قادر على الاملاء بأن كان سفيها أو ضعيف العقل أو مريضاً؟ تقول الآية فى ذلك: ((فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لايستطيع أن يملّ هو فليملل وليه بالعدل)) .
ولكن قد يتواطأ الكاتب فيميل إلى مصلحة أحد العاقدين مؤثراً اياها، أو قد يجدّ الخلاف على ما قصده العاقدان فى المستقبل أو قد ينكر صاحب الامضاء امضاءه، فوجب اذن - درءاً لكل ذلك - الاستشهاد بشهود عدول ((و استشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل احداهما فتذكر احداهما الاخرى)) .
وأوجبت الآية بعد ذلك على من دعى للشهادة أن يشهد بتوقيعه عند الكتابة وبأداء الشهادة الحقة عما سمع ورأى إذا ما دعى إلى مجلس القضاء، وفى ذلك تقول الآية: ((و لا يأب الشهداء إذا ما دعوا)) وقد يكون الدّين تافها كأن يكون دراهم معدودات أو جنيها واحداً أو بضعة جنيهات فيرى البعض على نحو ماترى التشريعات الحديثة أنه لايستحق مشقة الكتابة واحضار الكاتب والشهود، ولكن الآية تحذر من ذلك حيث تقول: ((و لا تسأموا أن تكتبوه صغيراً أو كبيراً إلى أجله ذلكم أقسط عندالله وأقوم للشهادة وأدنى ألاترتابوا)) وفى الحديث الشريف: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) وأؤكد أنه لو اتبعت الكتابة الثبات الديون صغيرة كانت أو كبيرة لخف عن المحاكم الجزئية ثلاثة أرباع عملها فى القضايا المدنية، وهى ما يقل الحق المتنازع عليه فيها عن عشرة جنيهات، ويبيح القانون المدنى اثباته بالبينة وشهادة الشهود حيث تحتاج الدعاوى إلى التحقيق وتؤجل مراراً لاعلان الشهود ولسماعهم، ولما حار القاضى بين شهود الطرفين حيث يلقن كل فريق ما يثبت حق صاحبه فيلتبس الأمر على القاضى ويغم عليه.