/ صفحة 261/
فساداً، وقاست الأُمة من جورهم وظلمهم ما قاسته من الظلم والفساد والرشوة وامتهان الكرامة.
ومن عادة هؤلاء الظالمين الذين يسعون في الأرض فساداً أن يلجأوا إلى شيء يظنون أنهم يستطيعون أن يستروا به جورهم وعسفهم فيلجأون عادة إلى تقريب رجال الدين واقامة المعابد أو المساجد تظاهراً بالتقوى والصلاح، ويقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم، وما ليس من أعمالهم.
كنت وأناصبى أسمع من كبار السن من ذوينا رواية لايتطرق إليها الشك، هي أن أحد هؤلاء الحكام الجراكسة وقد كان مديراً لاحدى المديريات، أمر بضرب رجل بالكرباج، وقام الحاكم الظالم هذا ليؤدى الصلاة مصرحا لاعوانه الذين أمروا بتنفيذ حكمه الا يكفوا عن الضرب إلى أن ينتهى من صلاته، وأخذ يعبد الله كما يدعى ويطيل في الصلاة وفي تسبيح الله جل شأنه، وطلب غفرانه ورحمته، والكرباج يهوى على المصرى ويمزق جسده، إلى أن انتهى حضرة الحاكم من تعبده وتوسلاته، وكاد الرجل يموت من شدة الضرب وقسوته.
وأعراف أن المصرى ما كان يدعى في تلك الازمان الغابرة الا بأنه ((جنس فلاح)) امعانا في الاحتقار، ذلك أن أولئك الجراكسة أو تلك القلة كما يسميها أرسطو، كانت تحتقر الزراعة والتجارة والصناعة، كما كان يحتقرها أولئك الاقدمون في البلاد الاخرى اكتفاء بما يعتزون به من جاه الحكم وكثرة المال الذي كانت تدره عليهم وظائفهم، ويسديه إليهم طغيانهم.
ألم يصل إلى علمك ما يعرفه الخلف عن السلف من أن الامير في الزمن السابق كان إذا رضي عن وجيه من وجهاء المصريين أهداه جارية بيضاء معتوقة يتزوج بها، وكان هذا شرفا عظيما للوجيه المصرى، وكيف لايكون له هذا الشرف وهو قد اتصل بالسلالة الجر كسية بزواجه من رقيقة معتوقة، ربما كانت من قبل في فراش ذلك الامير.
ذلك هو معنى حكم القلة أو الاقلية كما ارتآه اليونان، وكما طبق في بلادنا.