/ صفحة 258/
من صفات الرذيلة ووسائلها وحبائلها فيصبح الطاغية مطمئناً إلى قوات متعددة، أولها بطانته الخاصة بأساليبها- وثانيها: طلاب العيش يؤمرون فيأتمرون، وقد يكون من هؤلاء رجال لهم شيء من الضمير، لكنهم وقد غلبت عليهم المصلحة الخاصة أو الحاجة، وضعوا على ضمائرهم غشاوة يتناسون بها الفضيلة وحجتهم أمام أنفسهم أو أمام الناس أن لهم سلطانا سواء كانوا وزراء أو حكاما، ويكفى في نظرهم هذا السلطان لأن يخفى ما يقترفون من آثام - وثالث القوى: العمل على ابعاد الأُمة عن المثل عليا بالوسيلتين القويتين، وهما الجهل والتفرقة وانشاء الشيع والاحزاب.
ولايمكن لامة من الامم ترزح تحت أثقال هذه العوامل الثلاثة الا أن تكون نهبا لكل طامع، وعرضة لأن يلتهمها مغتصب أو مستعمر يرى الأُمور ممهدة أمامه بضعف شعب كان ضحية لطاغية، فلا يقوم في ادارة هذا الشعب الا بنفس الوسائل التى ابتدعها ذلك الطاغية، وهو الذي خلق في نفوس أمته أن النفاق فضيلة، والخضوع مثوبة، والسرقة حذق، والفحش تحرر من التقاليد البالية، والخمر والميسر متاع وترفيه وبراعة.
وياويل أمة استعان الطاغية في حكمها بالقوة المسلحة حتى إذا بدرت منها بوادر السخط استعان في قهرهاو اذلالها بقوته المسلحة، فيخضعها طوعاً أو كرهاً لجبروته وإذا آنس من شعبه أو من قوته المسلحة نزوعاً إلى الحرية والعدل والكرامة، فكر في ايجاد حرس خاص له علّه يحفظه ويحميه من هذا الشذوذ أو نكران الجميل فإذا تفشى العلم والمعرفة في عقول الشعب ونمت بوادر الوعى والتمسك بالحرية ولو بسفك الدماء، وحصل التجاوب بين الشعب وقوته المسلحة، وقتئذ تدق ساعة الخلاص، ويهبط ذلك الطغيان من عليائه، وتصبح الأُمة وجيشها قوة واحدة مقدسة تقصى عنها الطغيان وأذنابه، وتبعده عن أرضها فيخرج ذميماً مدحوراً خائفاً وجلا تخط أنفاسه أمام عينيه في الجو.
أعطيت ملكاً فلم أحسن سياسته *** كذلك من لا يسوس الملك يخلعه