/ صفحة 257/
والجبروت، يستنزفها لمصلحته الخاصة، ولاهله وعشيرته، ويحتقر هذه الأُمة التى يحكمها، ويسومها سوء العذاب، ويسعى فيما يسعى إليه كل مستبد ظالم في ابتكار وسيلتين هما الوسيلتان الوحيدتان لارهاق كل شعب، وهما الجهل والتفرقة، فلا يفكر الا في استدامة جهل الأُمة وعدم يقظتها ووعيها القومى، حتى ترضى بوسائل الظلم أو تسكت عنه، ويضيف إلى ذلك اشاعة الخرافات بين أفراد هذا الشعب الجاهل حتى يستكين إلى هذه الخرافات والاباطيل، ومن ذلك أن يشيع في الأُمة تارة أنه حاكم بأمر الله، أو أنه ظل الله في أرضه، أو أنه مفوض من المولى جل شأنه في ادارة البلاد، أو أنه شريف حسيب نسيب، له الحق في أن يحكمها كما يشاء، أو أن ما يعمله من بشاعات إنّما هو الهام من الله أو ان الفرد يجب أن يخضع للقضاء والقدر، أو ان لرعيته ثواب الآخرة فترضى بعذاب الدنيا، وغير ذلك من الاساليب التى لاتخفى على من درس أحوال الحكام الفاسدين وسيرتهم.
والطريقة الثانية التى يلجأ إليها الطاغية، هي كما قلنا وسيلة التفرقة بين أفراد الأُمة، بمعنى أنه يخلق فيها شيعا وأحزابا تتناحر وهي ترمى إلى مصالح ذاتية لهذه الشيع أو الافراد أو الاحزاب، لكنها في الحقيقة أمام الحاكم دمى يستعين بها على أغراضه الخاصة، وتأييد طغيانه بما يسديه إلى هؤلاء المتنافسين والمتزاحمين من بعض اللقيمات يلقيها إليهم، وهم عن الذل راضون.
لكن الطاغية يحتاج دائماً فوق اشاعة الجهل والتفرقة إلى بطانة خاصة هي بطانة السوء الاكبر، يحيطها بشيء من الامتياز، وبشىء من الحصانة والصيانة وبشىء من نعيم هذه الدنيا كما يراه هو وتراه البطانة، ويختار هذه البطانة بعد تفكير وروية، فلا يجتذب إليه الا نفرا من الاذكياء ذوى الهمة والنشاط بشرط أن يثق بفساد ذممهم، وبأنهم خاضعون لأن يبيعوا شرفهم وينفذوا ما أمروا به من وسائل الغش والخيانة والفحش والاختلاس والسرقات، فإذا اجتمعت لدى هؤلاء صفات يطمئن إليها الطاغية احتضنهم ووكل إلى كل فرد منهم ما نبغ فيه