/ صفحة 256/
وهؤلاء كانوا براهمة أو بوذيين وفيها مسيحيون وغير ذلك من المذاهب المختلفة التي يعرفها من درس حالة تلك البلاد، كيف أدار هذا الامبراطور ملكه؟ لم يدره بالنار والحديد ولا بالظلم والجور والعسف، وإنّما جمع حوله فئة من المستشارين صالحة، فكان له في قصره مكان خاص رأيته، وهو عبارة عن حجرة لها شرفة يجلس فيها الامبراطور وقت الحكم ويدعو في الحجرة كبار رجال دولته من جميع الاديان والمذاهب، فكان منهم الهنود والمسلمون والمسيحيون وغيرهم أولئك كانوا صفوة رجال الامبراطورية يجلسون ويعرض عليهم أمرا من الأُمور ليبت فيه، ولم يكن إذا غم عليه أمر يصدر رأيه فيه قبل أن يستشير أولئك الخبراء فيعرض عليهم الأمر، ثم يتركهم ليتداولوا حتى إذا أجمعوا على حل لمشكلة من المشكلات أخذ به وتوجه بأمره، أما إذا اختلفوا فكان عليه أن يبحث في أدلة كل فريق بحثا خاليا عن الغرض ومؤديا إلى نفع أمته ويختار الحل الذي يرتضيه ضميره، وهذه الخطة السليمة التى ارتضاها هذا الامبراطور لنفسه ولشعبه كانت هي الطريقة الوحيدة التى حببت جميع القلوب إليه، وأخضعت جميع الشعوب المتباينة لسلطانه عن رضا واختيار، وان أساليب هذا الملك الكبير في ادارة الحكم، وفي تقسيم البلاد إلى مناطق أو ممالك لها استقلالها الذاتى أو شبه الذاتى وطريقة جباية الاموال، ووضع الانظمة للادارات ودور القضاء والشرطة، وغير ذلك من أساليب الحكم الصالح كانت دستوراً قائماً حتى أخذت الحكومة البريطانية عند ما امتلكت هذه البلاد وليس لها سوى عدد ضئيل من الانجليز الحاكمين، أخذت أو اضطرت إلى الاستعانة والاخذ بتلك الوسائل الحكمية التى وضعها هذا الامبراطور لبلاد الهند.
أما النوع الثانى من حكم الفرد، أي حكم الفرد الفاسد، فهو الذي يسميه أرسطو بحكم الطغيان، أي حكم الملك الذي لايرعى في ادارة أمته الا ولا ذمة، يسعى في توطيد دعائم سلطانه على أساس من الفساد والظلم والجبروت، ويرهق شعبه بتلبية نزعاته الطائشة، ويستنزف أموال هذا الشعب بوسائل الضغط